حذاء الملايين و«نفسية الأمة»

TT

حكمت محكمة أمن الدولة العليا في دمشق قبل أيام على المدون الشاب كريم عربجي بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة نشر أنباء كاذبة من شأنها أن «توهن نفسية الأمة» بحسب النص القانوني للإدانة والذي سبقه سجن الرجل لسنتين قبل إصدار الحكم بحقه.

لمن تسنى له قراءة خبر الحكم على عربجي في إحدى الصحف (إذا نشرته) سيلاحظ تزامن خبر الإدانة مع حدث آخر، وللتزامن هنا دلالاته. الخبر الآخر المقصود هو الإفراج عن صاحب أشهر حذاء في العالم وهو الصحافي العراقي منتظر الزيدي، والذي خرج بعد تسعة أشهر من السجن بعد تخفيف الحكم من ثلاث سنوات إلى سنة واحدة.

يبدو أن «نفسية الأمة» التي سيقبع من أجلها عربجي ثلاث سنوات في السجن هي نفسها التي أخرجت منتظر الزيدي من السجن في العراق. والزيدي الذي «أنعش» نفسية الأمة وشد من عزيمة أبنائها بحذائه الذي رماه قبل تسعة أشهر في وجه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في زيارته الأخيرة إلى بغداد، يخرج ليجد بانتظاره أهازيج وأغان ومقابلات وعروض عمل وهدايا من زعماء عرب، بل حتى سيجد فتيات عرض ذووهن تزويجهن إياه «كرمى» لحذائه!!.

بمثل ما استقبل خبر حذاء الزيدي بحفاوة مثيرة للشفقة يستقبل اليوم صانع الحدث بأسلوب لا يقل رثاثة وبؤسا. فالأمة التي انقسمت إزاء حذاء الزيدي تعاود إحياء الانقسام نفسه على نحو أكثر مشهدية بعد أن بدأ الزيدي بإدلاء تصريحات ومواقف حول اللحظة التاريخية التي جسدتها غضبته في وجه بوش. عروض العمل واللقاءات التلفزيونية انهالت على الشاب العراقي وربما نشاهد أفلاما وثائقية تحاول استعادة ذلك المشهد ودلالاته التي أسهب كثر في الأشهر الماضية في شرحها والاستلهام منها والحث على جعلها نهجا في الرد والموقف.

لا تهدف الكتابة هنا عن حادثة الزيدي، وقد خرج من السجن، للتعرض إلى شخص الرجل.

فقد بدت فعلة الزيدي بمثابة عمل تعويضي في ظل غياب أي مشروع بديل. وغياب المشروع هو إدانة للمحتفلين بالزيدي، خصوصا أن هؤلاء أغفلوا وقائع تكشف هشاشتهم حيال قيم من المفترض أن يدعوها. فالعقل الجمعي المحتفل بالزيدي هو نفسه الذي رمى في السجن المدون السوري ومدونين وصحافيين عربا يلقون يوميا في السجون من دون أن نتنبه لهم. المحكمة التي خففت العقوبة عن الزيدي والتي قصرتها على انتهاكه قوانين محددة، هذه المحكمة هي من يستهدفها العقل العربي ذاك، العقل المحتفل بالزيدي.

ماذا يعني أن يعلن شقيق الزيدي تبلغه من زعماء عرب اشتهرت أنظمتهم بممارسات قمعية بأنهم سيقدمون مكرمات سخية لشقيقه تشجيعا له على فعلته!!

لقد أنعش الزيدي نفسية الأمة التي اتهم المدون السوري كريم عربجي ومدونون عرب آخرون بإشاعة الوهن فيها.

كثيرة هي الأحداث والأفعال التي نتوهم أنها أدخلتنا التاريخ ولا نلبث أن نكتشف أننا لسنا سوى على هامشه.

diana@ asharqalawsat.com