الانتظار هو البطل

TT

يقول الدكتور إميل معلوف في كتابه «فلسفة في رواق الأدب» أن الناس قرأت خطأ مسرحية صامويل بيكيت «في انتظار غودو». فالحقيقة أن الذي لا يأتي، في نهاية المطاف، ليس غودو بل الانتظار. ويقول إن المسرحية صنفت خطأ في أدب العبث، أما فئتها المطابقة فهي الواقعية، لأن لا شيء أكثر حقيقية في هذه الأرض مما نحيله على عبث الحياة.

أنا من قراء الدكتور معلوف المتكررين. فنتاجه قليل ولا حل إلا في أن يقرأ تكراراً، لمن أحب العبارة العربية الرائقة والصافية. ولكنني هذه المرة أقرأه لسبب لم يخطر لي ـ ولا له على الأرجح ـ من قبل: لسبب سياسي. فكلما قرأت عناوين الصحف اللبنانية في الصباح أتذكر قول معلوف، إن الذي لا يأتي هو الانتظار. وهو لا يأتي ليس عن سوء نية ولا عن سابق تصور، بل لأنه يعرف بأن الذين يدعون انتظاره لا يريدون أن يصل. اللعبة هنا أن يظل الفراغ هو البطل، لا أن نستبدله بشيء ينقضه ويبدده ويحل مكانه. القصد هو الفراغ والهدف هو الفراغ والسبيل إليهما هو الفراغ أيضا.

الذين انتظروا حكومة سعد الحريري يعانون من سذاجة وطنية واضحة. رجعيون لا يزالون يؤمنون بالأكثرية النيابية والأصول الديمقراطية. ولا يزالون يعتقدون أنهم يعيشون في لبنان الدستور والتقاليد ومراعاة مشاعر الآخرين ومواقعهم وتواريخهم. وقراءة السياسة اللبنانية على هذا النحو أصبحت مسألة بالية. هناك قواعد جديدة وواضحة للعمل السياسي الآن عبَّر عنها الجنرال ميشال عون في مقابلة مع الزميل غسان بن جدو، عندما فاخر بأن حزبه أغلق بيروت طوال عامين في الاعتصام الشهير الذي حلى له تسميته بالإنكليزية Sit ـ in.

لقد أصبحت معايير الإنجاز في لبنان ماذا تعطل لا ماذا تحقق ولا ماذا تبني. وقبل تشكيل الحكومة عطلت المعارضة لأشهر طويلة انتخاب رئيس الجمهورية، برغم الاتفاق العام على اسمه. وانتقل لبنان بالطائرات إلى الدوحة لكي يضع نفسه في تحكيم أمير قطر ورئيس وزرائها، اللذين عادا فشهدا على انتخاب الرئيس في البرلمان اللبناني. ولم يحدث لأي بلد في العالم عبر التاريخ، أن انتخب رئيسه في ظل كفيل، حتى في أسوأ مراحل جمهوريات الموز.

لكن هناك من يصر على أن لبنان مسرح عبثي وليس دولة قائمة. وهناك من يصر على أنها لن تقوم أبداً. وعبثاً يصرخ بطل نجيب محفوظ في «ثرثرة على النيل» «نحن فوق الأرض ولسنا فوق خشبة المسرح». عبثاً. الانتظار هو البطل.