من أجل خطب الرئيس مسحوا تاريخنا الأدبي!

TT

وقعت مذبحة في التليفزيون المصري فقد مسحوا كل هذه التسجيلات لكي يسجلوا عليها خطب الزعيم الخالد جمال عبد الناصر..

مسحوا شريط طه حسين والحكيم وعزيز باشا أباظة وحسين فوزي..

وشريط طه حسين قد عثرت عليه عند صديق في السعودية وقدمته هدية للتليفزيون المصري.. وبقية التسجيلات فقد ذهبت إلى حيث لا عودة.

أما التسجيل الذي حزنت على ضياعه فهو مع المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي.. وكانت أول مرة يرى الناس مؤرخهم العظيم الوديع. وكان ذلك قبل وفاته بأيام. ولم أكن أعرف أن هذا الرجل بهذا الجمال واللطف والرقة والأدب. فقد كان نموذجا عاليا للشفافية النفسية. وكان مؤرخا على خلق. وقد سألته: كيف تزوجت يا أستاذ؟

فقال: إنه زواج تقليدي..

وسألته: وهل رأيت زوجتك قبل أن تخطبها..

فانزعج وقال: لا لا.. كيف أراها قبل الزواج؟ إنني علمت أنها ابنة فلان ومن عائلة فلان. وأنا أعرف فلانا هذا فهو رجل على خلق.. وأعرف سمعة هذه العائلة. ويكفيني هذا..

فقلت: وكيف أحببتها؟

فقال: الحب يجيء عادة بعد الزواج..

وعرفت كيف يكتب الرجل التاريخ.. إنه ينطلق من التفسير الأخلاقي للتاريخ..

سألته: وما رأيك في طه حسين..

قال: وهل يكون لي رأي إنه رجل عظيم..

- وما رأيك في العقاد..

- وهذا عظيم آخر.. وهذه نماذج فريدة في التاريخ. قَلّ أن يجود الزمان بمثلها.. وكذلك أمير الشعراء شوقي.. أنا سعيد لأنني أعيش في عصر هؤلاء العباقرة..

ونحن سعداء أن نعيش في زمانك يا أستاذ وسوف يسعد الناس عندما يرونك لأول مرة..

.. ولآخر مرة أيضا.