التمر سيد الإفطار

TT

أتينا على ذكر الكثير من الأكلات الرمضانية الأصيلة ولكنني ركزت على الحلويات منها عملا بالقول السائر «المؤمنون حلويون»، وبما أبدع شعراؤنا في وصفه والثناء عليه والشوق إليه من غزل بالقطايف والبقلاوة والكنافة وكل ما ارتبط بعلاقة قرابة أو نسب بالسكّر. غير أن شعراءنا فات عليهم الإشادة باللقمة الأساسية للإفطار، وأقصد بها طبعا التمر. وهو ما اعتاد أن يفطر به رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحبه رضي الله عنهم. فهو سنة يدعمها حديثه الشريف: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، فهو طهور».

وتتجلى حكمة ذلك القول في الدور الغذائي للتمر كما ثبت مؤخرا، في أثره على تخفيض الكولسترول وبعين الوقت التعويض عن الطاقة والسكريات التي يفتقدها الصائم في أثناء صومه. وللتمر حكاية طويلة في حياة سكان الشرق الأوسط ترجع إلى ما قبل التاريخ. وقد شكل مع اللبن والخبز في العراق، وطن التمور، الغذاء الرئيسي للعمال والشغالين بأعمال شاقة. وهي في الحقيقة أكلتي المفضلة إلى اليوم. وقد شكّل هذا المزيج، التمر واللبن، المادة المفضلة عند العرب فسمّت الرجل المنعم باللابن والتامر، ومنها جاء قول الشاعر:

وغررتني وزعمت أنك

لابنٌ في الصيف تامر

ومن المعتاد للعراقيين أن يرووا حكايات ومعتقدات أسطورية عن القوى الجنسية للتمور. وأصبح من المألوف بين الطبقات الشعبية أن يُعِدّوا للعريس كمية كافية من التمور النفيسة.

يُروى أن الحجاج سأل أتباعه يوما أن يكتب كل واحد منهم طعامه المفضل على قرعة ويضعها تحت مصلاه. فلما انتهوا وعاين ما كتبوا وجد الغالبية مع الزبد والتمر.

ولا عجب أن نجد للتمر صدى كبيرا في أدبنا الشعبي. نحن نقول في العراق: «بغداد مبنية بتمر، فلش وكل خستاوي». وأنشأ شاعر شعبي حضرمي قصيدة طويلة في التمر قال فيها:

النخيل أجناس له جم

ما حد لتعداده تم

عمة وقد خيرها عم

من النبي جاءتنا أخبار

ما شي كما التمر في الدار

ومن شعراء مصر الذين هاموا شغفا بالتمر وأصبحوا ذواقة في أصنافه، ابن نباته. ورده طبق من التمر من أحد أصحابه، هدية رمضانية، فلم يجده على المستوى المطلوب فبعث إليه بهذين البيتين يداعبه ويضمّن شعره هذه التورية الظريفة عن النوى:

أرسلتَ تمرا بل نوى فقبلته

بيد الوداد فما عليك عتاب

وإذا تباعدت الجسوم فودنا

باقٍ، ونحن على النوى أحباب