«البعث» شريك في حكم العراق.. هل هذا ممكن؟!

TT

أشارت بعض المعلومات التي جرى تداولها، وإن على نطاق ضيق، في فترة تردي العلاقات العراقية السورية على خلفية الانفجار المروع الذي استهدف في التاسع عشر من أغسطس (آب) الماضي وزارتي الخارجية والمالية في بغداد، إلى أن أحد أسباب الخلاف الطارئ بين رئيس الوزراء نوري المالكي والقيادة السورية هو أن دمشق كررت طلبها وأكثر من مرة بأن يكون حزب البعث (السوري) من خلال فرعه في العراق شريكا أساسيا، إلى جانب عشرات الأحزاب والتكوينات الأخرى، في الحكم العراقي الذي استجد بعد إسقاط نظام «بعث» صدام حسين في أبريل (نيسان) عام 2003. يؤكد المسؤولون في قيادة البعث (السوري) وعلى رأسهم بالطبع الرئيس بشار الأسد، وهذا الكلام يتردد أنه قيل للمالكي خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق التي سبقت انفجارات بغداد المروعة مباشرة، أن فرع حزبهم في العراق الذي كان تبلور كتنظيم مستقل بعد حركة الثالث والعشرين فبراير (شباط) عام 1966، استمر في النضال ضد نظام البعث الآخر في العراق قبل انفراد صدام حسين في الحكم في عام 1979 وبعد ذلك وأنه قدّم شهداء كثرا على هذا الطريق والآلاف من المعتقلين والمطاردين وكل هذا قبل أن يكون هناك حزب «دعوة» وقبل أن يكون هناك أيضا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. والمعروف أن وحدة حزب البعث بتنظيمه القومي، وبخاصة القطر العراقي والقطر السوري، قد اهتزت في المؤتمر القومي السادس الذي انعقد في دمشق في عام 1963 بعد سقوط أول تجربة له في الحكم في العراق بانقلاب قاده الرئيس الأسبق عبد السلام عارف ثم ما لبثت أن تصدعت نهائيا عندما أطاح ما اعتبر نفسه يسار هذا الحزب ومن رموزه الأساسيين، بالإضافة إلى الرئيس حافظ الأسد، كل من اللواء صلاح جديد والدكتور نور الدين الأتاسي والدكتور يوسف زعين والدكتور إبراهيم ماخوس بنظام «القيادة القومية»: أمين الحافظ وميشيل عفلق وصلاح البيطار والدكتور منيف الرزاز في حركة الثالث والعشرين فبراير (شباط) عام 1966. بعد هذه الحركة التي قضت عليها حركة سُمِّيت «تصحيحية» قادها الرئيس حافظ الأسد في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970 انحاز قطر العراق بغالبيته ومن رموزه أحمد حسن البكر وعبد الخالق السامرائي وصالح مهدي عماش وبالطبع صدام حسين إلى «القيادة القومية» التي وُصفت في دمشق في العهد الجديد بأنها يمينية ومتخلفة والتي كان على رأسها الثلاثي التاريخي (الأستاذ) ميشيل عفلق الذي هو مؤسس هذا الحزب وصلاح البيطار الذي اغتيل في فترة لاحقة في باريس والدكتور منيف الرزاز (الأردني) الذي كان مصيره الإقامة الإجبارية في منزله في بغداد حتى وفاته بعد اتهامه من قبل صدام حسين بالتنسيق مع المجموعة التي وصفت بأنها انقلابية والتي أُعدم رموزها في «وجبة» إعدامات جماعية في عام 1979. وحقيقة أن فرع البعث (السوري) في العراق، وبخاصة في مرحلة حكم الثنائي صلاح جديد نور الدين الأتاسي وهي المرحلة التي امتدت من عام 1966 وحتى يوليو (تموز) عام 1968، حيث قام أحمد حسن البكر ومعه صدام حسين بالانقلاب على نظام عبد الرحمن عارف، كان له الثقل الرئيسي هناك وكان قد احتل مكانة لم يفقدها إلا في السنوات اللاحقة في أعقاب هذا الانقلاب المشار إليه الذي سادت في أعقابه حملات تصفيات اتخذت أشكالا متعددة ضد ما سمي «التيار الشباطي» الذي من بعض رموزه من يقودون الآن ما يسمى «المقاومة العراقية».

وحتى في مرحلة ما بعد «الحركة التصحيحية» التي قام بها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ضد رفاقه في حركة فبراير (شباط) فإن فرع حزب البعث (السوري) في العراق بقي من أكثر المناوئين لنظام صدام حسين، إن في فترة ما قبل «الميثاق القومي» الذي انهار في عام 1979 وإن بعد ذلك، ولعل ما هو معروف أن هذا الفرع بدعم دمشق بالطبع قد حاول الإطاحة بحكم الرئيس العراقي الأسبق أكثر من مرة وأنه ساهم في بعض التفجيرات على الأراضي العراقية ردّا على حملة التفجيرات والاغتيالات التي كان نظام بعث العراق قد نفذها بالتعاون مع الإخوان المسلمين (السوريين) ومع بعض الفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية. بعد انهيار نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) عام 2003 بنحو أقل من عامين انقسم حزب البعث الذي بقي يحكم العراق على مدى خمسة وثلاثين عاما إلى قسمين، قسم تزعمه عزة الدوري المختفي الآن ويقال إنه يقود جزءا من المقاومة العراقية، وقسم يتزعمه محمد يونس الأحمد المقيم علنا في دمشق والذي اتهمته حكومة نوري المالكي بأنه هو المسؤول عن انفجارات التاسع عشر من أغسطس (آب) الماضي وأن وجوده، حيث يقيم هو المسؤول عن تردي العلاقات العراقية السورية وحقيقة أن الرئيس بشار الأسد يعتبر أن هذا القسم مع الفرع العراقي من حزبه أي حزب البعث (السوري) يشكلان قوة واحدة يجب أن تكون شريكا رئيسيا في قيادة الدولة العراقية.

إنه من غير الممكن أن تتخلى سوريا عن هذا المطلب من الآن فصاعدا فهي صمتت كل هذه الفترة منذ سقوط نظام صدام حسين لاعتبارات متعلقة بتحالفها مع إيران ولاعتبارات أخرى متعلقة بأوضاع العراق الداخلية وبعمليات ما يسمى «المقاومة» هناك، أما بعدما تبلورت الأمور وبعدما تقرر أن ينسحب الأميركيون من بلاد الرافدين في عام 2011 فإن دمشق، التي ترى أن ثقلها في «القطر الشقيق» لا يقل عن ثقل أي من الأحزاب والقوى الأخرى حتى بما في ذلك حزب الدعوة و«المجلس الأعلى»، ستبقى تصر على أن «بعثها» يجب أن يكون شريكا رئيسيا في تقاسم الكعكة العراقية.

والمشكلة بالنسبة إلى هذه الشراكة، التي لن تتنازل عنها سوريا على اعتبار أنها تشكل ركيزة أساسية من ركائز الدور الإقليمي التي تتطلع إليه في هذه المنطقة، هي أن إيران مقابل موافقة الأميركيين التي يبدو أنها باتت مضمونة في ضوء التفاهم السوري الأميركي المتصاعد لا يمكن أن تقبل بأي اهتزاز للمعادلة المذهبية القائمة حاليا وبخاصة أنها تعرف أن حزبا بعثيا لا يمكن إلا أن يكون حزبا انقلابيا ولا يمكن إلا أن يكون قوميا ومناوئا للتمدد الإيراني في إحدى أهم الدول العربية.

وهكذا فحتى لو تخلى حزب البعث عن اسمه واتخذ واجهة أخرى تحت مسمى آخر فإن المؤكد أن الإيرانيين لن يقبلوا به شريكا في تركيبة الحكم العراقية، فإيران التي من خلال أجهزتها ومن خلال فيلق القدس، وعلى رأسه الجنرال قاسم سليماني، لها السيطرة الكاملة في العراق أمنيا وسياسيا وكل شيء باستثناء إقليم كردستان العراق لن تسمح بأن يتقاسم معها هذه السيطرة شريك غير مضمون رغم أنه محسوب على دمشق التي هي حليفها الاستراتيجي في هذه المنطقة.

الآن هناك انتخابات مصيرية على الطريق والمؤكد أن دمشق من الآن وحتى موعد هذه الانتخابات ستسعى إلى تحالفات من خلال فرع حزبها، حزب البعث (السوري)، في العراق و أيضا من خلال مجموعة محمد يونس الأحمد مع المجموعات السنية وهي ستحاول بالتأكيد التعاون مع التحالف الشيعي الجديد الذي أُعطيَ من قبيل ذر الرماد في الأعين اسم «الائتلاف الوطني» لإسقاط نوري المالكي أو على الأقل إضعافه ومنعه من العودة إلى الحكم مرة أخرى وهذه مسألة يبدو أن العاصمة السورية تتفق بالنسبة إليها مع العاصمة الإيرانية.

إن المؤكد أن سوريا، التي تشترط على الأميركيين مقابل ما يطلبونه منها أن يسلّموا لها بمكانة إقليمية أساسية تتمثل بدور أمني وسياسي في لبنان وفي العراق وفي القضية الفلسطينية، لن تتنازل إطلاقا عن مطلب أن يكون الفرع العراقي ل«بعثها» شريكا رئيسيا في الكعكة العراقية مثله مثل حزب الدعوة ومثل المجلس الأعلى ومثل باقي التنظيمات الشيعية والسنية الرئيسية.