من الأخطر.. بن لادن أم «بن ليمان»؟

TT

بن لادن ضرب برج التجارة العالمي في نيويورك عام 2001، ضرب المبنى الذي يرمز إلى قوة الاقتصاد الأميركي، بينما ضرب «بن ليمان» الاقتصاد الأميركي ذاته ومعه ضرب الاقتصاد العالمي، ومن هنا السؤال: مَن الأخطر: بن لادن أم «بن ليمان»؟ «بن ليمان» هو مصطلح اخترعته ليرمز إلى بنك الإخوة ليمان الاستثماري الأميركي والذي كلفت تداعيات إفلاسه لتجنب حدوث هزات مماثلة للمؤسسات المالية والمصرفية الأخرى 70 مليار دولار كمرحلة أولى. إفلاس مصرف ليمان برذرز كان هو الرصاصة التي أطلقت على رأس الاقتصاد العالمي برمته. بن لادن ضرب برج الاقتصاد، وبن ليمان ضرب الاقتصاد. عدد ضحايا بن لادن جراء تفجير برجَي التجارة في نيويورك قارب ثلاثة آلاف نفس بشرية بريئة، أما ضحايا «بن ليمان» وأمثاله من حيتان المال فهم بالملايين من البشر العاديين في كل أنحاء المعمورة ممن فقدوا مصادر عيشهم نتيجة للانهيار الاقتصادي العالمي الذي كانت ضربة بن ليمان هي النذير الأول له. الموت والدمار الذي تسبب فيهما بن لادن هو موت دراماتيكي واضح له أنقاض وصور واضحة لبرج يشتعل، بينما الدمار الذي تسبب فيه بن ليمان، وهو الأضخم والأعظم، لا صور له ولا نيران تشتعل لتلتقطها عدسات التلفزيون، هو موت بطيء أشبه بحالة تسمم عام للبشرية، يتساقط فيها الناس فرادى بعيدا عن عدسات التلفزيون، لا دراما هنا ولكن الموت أبشع وأوسع.

بن لادن هو رمز للصورة المشوهة عن الإسلام الصحيح، وبن ليمان هو ممارسة لأسوأ حالات النصب الاقتصادي الذي عُرف بالمشتقات والتقطيع والبيع والاحتيال على البشر، حتى انكشفت اللعبة وانهار النظام الاقتصادي العالمي. مع بن لادن تعرف أن هذه صورة مشوهة من الإسلام لا يجب اتباعها، أما مع «بن ليمان» فرغم أن البنوك الأخرى كانت تعرف إلا أنه لم يكن بوسعها أن تقول لا، ولم يكن لها خيار إلا مجاراته. بن لادن يمكنك رفضه والابتعاد عن دعوته، أما «بن ليمان» وبحكم المعادلات الاقتصادية يمسك «بزمارة» رقبتك ولا يمكنك الفكاك من القواعد التي وضعها للربح. بن لادن اختيار، بينما «بن ليمان» إجبار.. ومن هنا يكون «بن ليمان» أخطر من بن لادن.

كان لأميركا هدف واضح بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتحركت الجيوش للقضاء على نظام طالبان في أفغانستان، ذلك النظام الفاسد والقهري، أما في حالة «بن ليمان» فإلى أين تتحرك الجيوش؟ وكيف يحدث، مثلا، تغيير النظام المالي العالمي على غرار تغيير النظام في العراق؟ إذن، العالم يستطيع أن يعزل بن لادن في أفغانستان ويحاربه هناك، بن لادن عدو واضح وفي مكان محدد. أما «بن ليمان» فلا يمكن محاربته، لأنه عدو كالشبكة العنكبوتية، موجود في كل جيوبنا، في بطاقات الائتمان، في استثماراتنا في البورصة، في القروض التي اقترضناها على بيوتنا. القبض على بن لادن ممكن، وقتله أو تقديمه للقضاء ممكن، ولكن لا يمكنك القبض على «بن ليمان» أو قتله، لأنك بذلك توجه المسدس إلى رأسك أنت أو إلى جيبك أنت.

بينما يبرر بن لادن القتل في أشرطته باسم المظلومين والمستضعفين في الأرض مرة، وباسم فلسطين ومقاومة الاحتلال مرة أخرى، إلا أن «بن ليمان» لا يقدم أشرطة ولا يجد نفسه مضطرا إلى أية تبريرات للقتل الجماعي الذي تسببت فيه مصارفه، هو قتل للطمع والجشع المتوحش. لهذا أقول بأن «بن ليمان» أخطر على أميركا والعالم من بن لادن. إن معركة أوباما التي ستكون المحك الحقيقي لمستقبل القوة الأميركية ليست مع بن لادن في الخارج، وإنما هي مع «بن ليمان» في الداخل.