تبدو فكرة سديدة

TT

دائما ما تبدو لوس أنجليس فكرة حسنة في هذا الوقت، وقد كانت فكرة طيبة بالفعل، فالمكان كان رائعا والجو كان مثاليا. فلا عجب أن يقرر ملايين الأشخاص أن يعيشوا هناك، ويبدو قرار بعضهم بتشييد منازلهم في الوديان المجعدة بالتلال التي تشرف على منطقة حضرية واسعة تمتد حتى البحر المتلألئ قرار منطقي. ولكن في كل عام تحترق بعض تلك الوديان، في دائرة مستمرة من الدمار والتجدد ما لم يتدخل الإنسان، وهو ما يعني أن التدخل قد يكون فكرة سديدة. وهو ما يعني ليس فقط بذل أقصى جهد لإخماد الحرائق التي تشتعل بالفعل، ولكن بذل جهود حثيثة لمنع اندلاع تلك الحرائق من الأساس. وكان منع الحرائق وقمعها ناجحا لدرجة أن العديد من الوديان التي تؤدي إلى ماونت ويلسون شمال باسادينا لم تحترق لمدة أربعين عاما أو يزيد، وما زالت حتى الآن. ولأن هذه المنحدرات لم تُجلِها النيران أخيرا فإنها مكدسة بالأجمة التي تماثل دغلا من المواد سريعة الاشتعال، وهو ما جعل الحرائق التي بدأت أخيرا أسوأ مما كان يمكن أن تصبح عليه. وقد حصد «حريق المحطة» –يطلقون هناك أسماء على الحرائق- أرواح اثنين من رجال المطافئ، وأحرق أكثر من 20 منزلا، وأحرق ودمر 165 ميلا مربعا من الأرض.

هل يعني هذا أنه ما كان يجب علينا أبدا أن نبني لوس أنجليس؟ بالطبع لا، ولكنه يذكرنا بقدر المال والجهد الذي تم بذله لمعالجة عواقب القرارات التي كانت تبدو فكرة سديدة في وقت ما. وأنا لم أتحدث هنا عن الزلازل، كما أن هذا ليس مقالا ضد جنوب كاليفورنيا. وقد يكون النموذج الأفضل للفكرة السديدة هو نيو أورليانز الذي كان مشروعا شائكا منذ البداية، فقد أدرك المستوطنون الفرنسيون الأوائل المخاطر التي تحيط بالموقع مثل بحيرة بونتشارترين في الشمال ونهر الميسيسيبي في الجنوب. وصدقت مخاوفهم عندما ثار إعصار وأزاح في طريقه المدينة الوليدة، ولكن من الناحية الاستراتيجية كان ضروريا أن ننشئ مدينة عند مصب النهر الأعظم للقارة، وبالتالي أعيد بناء نيو أورليانز ولكن ليس للمرة الأخيرة، فالمدينة الآن تحيي الذكرى الرابعة لكارثة إعصار كاترينا الذي أثبت حقيقة كنا نعرفها بالفعل، فالأعاصير تمر دائما في خليج المكسيك، وفي الغالب سيعصف أحد تلك الأعاصير العنيفة بنيو أورليانز. فيجب أن تكون فكرة إعادة بناء المدينة فكرة سديدة، لأن تشريد كل هذا العدد من البشر من منازله والتخلي عن تلك البنية التحتية والتاريخ والثقافة، أمر غير معقول. وسيكون علينا أن نعمل على تحديث أرصفة المواني ومسارب الفيضان، وسيكون من الأفضل بناء حاجز على أعلى درجة من التطور يشبه النموذج الهولندي لتوفير المزيد من الحماية. ولكنها سوف تكون فكرة سيئة أن نتظاهر بأنه لن يضربها إعصار آخر أو أن نتصور أن نيو أورليانز التي يقع معظمهما تحت مستوى سطح البحر سوف تصبح آمنة تماما.

كما أنني لم أذكر التغير المناخي، وارتفاع مستوى البحر، وازدياد تواتر الظروف المناخية المتطرفة مثل هبوب إعصار شديد.

نحن لا نستطيع أبدا أن نتوقع عواقب أفكارنا الطيبة، فقد بدت القوى النووية في وقت ما أعظم اكتشاف منذ الخبز المقطع، ثم وقعت حادثة جزيرة ثلاثة الأميال وتشيرنوبل، فبدا استخدام المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء فكرة فظيعة. ولكن بعد أن أدركنا ما فعله الوقود الأحفوري بالمناخ، خلص بعض علماء البيئة إلى أنه من الخطأ استبعاد الخيار النووي من على الطاولة. ولكن بالطبع هناك مسألة التخلص من النفايات. فإذا تم وقف التخلص من النفايات في جبال يوكا، فسيتم التخلص منها في مكان آخر. وفي النهاية، فإن أفضل شيء يمكننا أن نفعله هو أن نبذل ما في وسعنا لكي نضع تصورا حول أي من أفكارنا السديدة تلك لن تمثل عبئا على الأجيال القادمة. فهل يجب أن نحد بالفعل من تنمية المدن الساحلية؟ هل تخزين انبعاثات الكربون تحت الأرض سوف يتسبب في أزمات سيكون على أحفادنا مواجهتها؟ وبمعنى آخر هل المشروعات التي نعدها حاليا بها ما يعادل بناء مدينة عظيمة تحترق باستمرار وأخرى تغرق طوال الوقت؟

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»