آمال أوباما في أفغانستان وواقع البلاد

TT

آثار الانتخابات (الرئاسية) الأفغانية أشد قبحا وأهمية من الحملة الانتخابية التي سبقت عملية الاقتراع. وأصبح واضحا أن سعي الرئيس حميد كرزاي لإعادة انتخابه شابته تجاوزات على نطاق واسع، وهو تطور يجسد الفشل الأول الهام الذي منيت به إدارة أوباما في مجال الشؤون الخارجية.

وكانت الإدارة قد أكدت على أن هدفها الرئيسي هو عقد انتخابات لها مصداقية، وليس فوز مرشح أو طائفة بعينها. وحث الرئيس أوباما ومساعدوه بصورة جدية كرزاي في السر والعلن على أن يجعل الانتخابات تتمتع بأكبر قدر ممكن من النزاهة والحرية داخل بلد في حالة حرب. ولم يقنع كرزاي بأن أدار ظهره لهذه الضغوط، بل استخدمها للترويج لنفسه كوطني يقف ضد الضغوط الأجنبية.

ولم تعوز الزعيم الأفغاني الوقاحة والمكر، وقدم لواشنطن واقعا عن طريق جمع تحالف لأمراء الحرب ومسؤولين محليين فاسدين آخرين من أجل تقديم النتائج التي أراد. ولا تغير الجهود الأميركية بعد الانتخابات من أجل دفع كرزاي لجعل مناوئيه في مكانة أعلى داخل الحكومة، وهو ما سيلزمهم بأن يوقفوا الاتهامات بوقوع مخالفات، من مغزى ما حدث في 20 أغسطس (آب) وخلال الأيام التي تلت.

ولا تعد الانتخابات المتنازع على نتائجها موقفا سياسيا مخجلا وحسب، ولكنها تطرح تساؤلات مهمة حول استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة التمرد المرتبط بحماية المواطنين، وهي الاستراتيجية التي كانت تسعى في بادئ الأمر إلى تطهير المناطق التي قاتلت من أجلها حركة طالبان وبالأساس المنطقة الجنوبية التي يسكنها البشتون من أجل تمكين المواطنين من التصويت هناك بحرية.

ولكن، رفض الأفغان داخل الكثير من القرى «المطهرة» الخروج للتصويت، حيث يخشون بصورة واضحة من أنه خلال أسابيع أو أشهر سوف تجتاح حركة طالبان مناطقهم ويسعون إلى الانتقام ممن ذهبوا إلى صناديق الاقتراع.

وبصورة أكثر دلالة، ذهب كبار البشتون إلى كابل، وبحثوا عن صحافيين غربيين وأعطوهم تقارير مفصلة مسجلة حول الطريقة التي استخدمها مناصرو كرزاي في تزوير النتائج داخل مناطقهم. وربما يظهر ذلك ميلهم الجديد إلى الديمقراطية وحرية الصحافة، أو إن جاز لي التخمين، فإن ذلك يظهر خوفهم من رد فعل طالبان على النتائج المزورة داخل الدوائر التي تظهر إقبالا كبيرا من مناصري كرزاي داخل قراهم.

هذه حسابات يعيش بها ويموت عليها المواطنون الذين يعانون من حروب أهلية. وسوف يبقى هؤلاء الذين يعيشون في المنطقة، التي قاتل الجنود الأميركيون والبريطانيون والأفغان من أجل تطهيرها، ينتظرون ليروا مجتمعاتهم خارج نطاق حركة طالبان لوقت طويل. وحينئذ فقط، سوف يقررون أن يتعاملوا مع نفس النوع من المخاطر التي تتوقعها الإدارة منهم في هذا الوقت.

وبصورة مبدئية وصف البيت الأبيض الانتخابات على أنها قصة نجاح صاف. ولكن بعد أن قالت لجنة الشكاوى الانتخابية التي تدعمها الولايات المتحدة يوم الثلاثاء أنها عثرت على «أدلة مقنعة وواضحة على وقوع مخالفات»، ولا سيما داخل المحافظات الجنوبية، أخذ مسؤولون أميركيون ينتقدون كرزاي في السر. ولكنهم تجنبوا أية إشارة إلى أن الخسائر الأميركية والبريطانية الكبيرة نسبيا خلال أغسطس (آب) كانت دون جدوى.

وسوف تتجاهل الإدارة الأميركية في العلن دور القبائل المستمر في الساحة السياسية داخل أفغانستان وباكستان عن عمد. وهذا لسوء الحظ، فالخلافات بين التنظيمات الإثنية في أفغانستان هي مفتاح الاستراتيجيات العسكرية والسياسية للإدارة، ولكن لا يقال ذلك للشعب الأميركي الذي يشعر بالضجر.

ويمثل مظهر كرزاي الضعيف نسبيا بين رفاقه البشتون، الذين يمثلون 42 في المائة من المواطنين الأفغان وتقريبا جميع قوات حركة طالبان، خطرا أمام استراتيجية أوباما لإعادة بناء الجيش الوطني الأفغاني سريعا عن طريق إضافة المزيد من المدربين الأميركيين وغيرها من القوات مع التحرك من أجل استقطاب قادة طالبان المحليين.

وفي الأساس، فقد رفضت إدارة بوش هذه الاستراتيجية بعد أن توصلت إلى أن القوات الأفغانية تعوزها «القدرة الامتصاصية» لتقديم الضبّاط الكافين لإدارة تشكيلات أفغانية كبرى. وكانت هذه طريقة أخرى للقول بأن أي توسع في الجيش، الذي أرسل أعدادا كبيرة من الطاجيك والأوزبك من الشمال إلى مناطق البشتون من أجل القتال مع حركة طالبان، سوف يؤدي إلى كوارث جديدة.

والنقاش الهام ليس هو التخمينات الإعلامية عن عدد القوات التي يمكن أن يطلبها القادة الأميركيون فوق 21000 وافق عليهم أوباما فعلا، ولكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل يمكن أن تحقق استراتيجية الزيادة نتائج أسرع على الأرض لوقف حالة الاستياء في الداخل.

وقد ظهرت صعوبات أكثر بعد أن فشل كرزاي في تلبية المطالب الأميركية بعملية انتخابية لها مصداقية، فأوباما مرتبط بخطة محطمة لا يوجد لها بديل فوري. وهو في حاجة إلى أن يكون أكثر صراحة مع الشعب الأميركي بخصوص التضحيات والعقبات الكائنة، فالشعب هو من يتحمل المسؤولية في النهاية وهو في حاجة إلى هذه الحقائق للاضطلاع بهذه المسؤولية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»