المشاركة والحرية الاقتصادية وعلاقتهما بالنمو المستمر

TT

هل هناك علاقة طردية بين النمو والتطور الاقتصادي من جهة وبين حرية القرار الاقتصادي والمشاركة في إصداره من جهة أخرى؟ وإذا كانت دول العالم اتفق أغلبها على أن يسعوا إلى تأسيس قواعد الحريات الاقتصادية وإزالة كل العقبات التي تعترض طريق التجارة بناء على اتفاق أوروجواي عام 1993، وعليه فإن إبقاء التهديد من دول العالم الصناعي، وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدول الأخرى النامية تحديدا يجعل الديمقراطية الاقتصادية في مأزق كبير، حيث إن أساس اتفاقية الجات والتي نتجت عن أحكام لتنظيم العلاقة بين الأعضاء، هو أن تكون المعاملة بالمثل على الكل بدون استثناء، وهو ما يمكن أن ينظر إليه على أنه مساواة سياسية ـ اقتصادية على المستوى الدولي. وإذا كان العرف والقاعدة هو أن حرية السوق العالمي لا يمكن أن تفصل أو تعزل عن حرية السوق المحلي، فلنفس الأسباب لا يمكن فصل الحرية والديمقراطية الاقتصادية دوليا ومحليا. وعليه فإن رغبة كل دولة في إنجاز نمطي حر أكبر لأسواقها وإلغاء كل قيد ممكن يصبح مطلبا ديمقراطيا أساسيا هاما لتحقيق ضمانة العدل في توزيع الدخول الوطنية في كل قطر، وبالتالي عدالة هذا التوزيع دوليا. فكثير من حكومات الدول تعتمد إصدار الكثير من القرارات المستعجلة، ونفس الشيء بالنسبة للمشاريع والأنظمة والقوانين والتي لها تأثير مباشر على العدالة الاجتماعية وعلى دقة وصحة توزيع الثروة الوطنية، ومثال ذلك الضرائب المباشرة وغير المباشرة وأنظمة التجارة بصورة عامة والخاصة بالاستيراد والتصدير وأنظمة وقوانين الاستثمار وتنوعه وتمويله دون السماح بالمشاركة الموسعة في تهيئته وصناعته، وتنفيذ القرارات عن طريق الشخصيات والهيئات والجهات والكيانات التي تتأثر بتطبيق قرارات كهذه ولا تكتفي إلا بمناقشة برلمانية رمزية سريعة، مما ينجم عنه قناعة غير كاملة تتولد لدى المواطن غير مقتنع ولا مؤمن «بصورة» المشاركة، ويزيد عن قناعته أن هذا ما هو إلا صورة أخرى من الإلزام والإجبار المعنوي العلوي ـ الفوقي ـ السيادي، وهو ما يجعل الخلل والعقبات التي ينتج بسببها سوء التطبيق لاحقا. وإذا كانت أغلب التوجيهات والنصائح التي تصدر من المؤسسات الدولية لإنجاز الإصلاحات الاقتصادية لا تأخذ بعين الاعتبار كثيرا بالأبعاد الاجتماعية لهذه الإصلاحات، فغالبا ما يصطحب عناصر التغيير والإصلاح خلل ظاهر في آلية عدالة التوزيع وأيضا تحمل أعباء أو ما يطلق عليه اقتصاديا القدرة التكليفية، وهو كفيل بأن يحدث خللا جوهريا في أساس آخر من أسس الحرية والمشاركة وهو ركيزة المساواة في التكليف.

وفي ضمن الإطار الإصلاحي الاقتصادي وتنفيذ سياسات الخصخصة، نرى أن أغلب الدول تجد الحرج في رغبتها لزيادة ملكية وحصة القطاع الخاص لأسهم رأس المال في المشاريع العامة والتي يتقرر تحويلها إلى مشاريع أعمال يشترك في إدارتها عمال الشركات وأيضا يكون لهم دور في الجمعيات العمومية كسوابق حضارية ومثال حي على المشاركة الفعلية، وفي الوقت ذاته لا تكون للدولة المقدرة على الخلاص من العمالة الزائدة عن الحد المطلوب بالشركات بيسر، ووضع المشاريع تحت وصاية هيئة أو وزارة مركزية يلحق أبلغ الضرر بالمصالح وينتقص من أرباح أصحاب الملكية لصالح أصحاب العمل غير المنتج على أساس أن ذلك أمر مؤقت ولن يدوم طويلا. ولذلك فإنه بدلا من أن يصبح أمر زيادة الملكية الخاصة في المجال الاقتصادي سجلا مشرفا على نهج المشاركة والحرية الاقتصادية فإنها تقدم دليلا لإدانة واتهام أزمة هذه المشاركة والحرية، والأكيد أن الرقابة والتدقيق والمتابعة والمساءلة تعتبر جميعها خطوات هامة وحيوية لضبط مسيرة ونهج المشاركة ومنع حدوث الخلل بها، وأن سوء فهم مناخ الحرية قد يسمح بحصول كسل وخمول في درجة الدقة في عمليات الرقابة مما ينتج عنه سوء استخدام للحيز من الحكومات للمواطنين في صورة أعمال غير مقبولة، وبالتالي تنتج عن ذلك انتكاسات كبيرة. ولعل الاقتصاد يكون منهجا للإصلاح والتطوير في هذه البقعة من العالم (العالم العربي) بعد أن فشلت السياسة في ذلك.

[email protected]