قمة مجموعة العشرين في بيتسبيرغ

TT

يجتمع قادة دول العشرين الأسبوع المقبل في بيتسبيرغ بولاية بنسلفانيا لدراسة الوضع العالمي وإلقاء المزيد من الضوء على المسار المستقبلي.

بدأت تلك القمة في السبعينات كقمة سباعية، بمبادرة فرنسية شاركت فيها أكبر سبع قوى اقتصادية هي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا الغربية وبريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا وكندا. وبعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية في فترة التسعينات تمت توسعة المجموعة إلى الثماني لتضم روسيا كعضو مشارك. وفي الآونة الأخيرة تمت توسعة الاجتماع السنوي بصورة أكبر ليضم 12 دولة أخرى تمثل أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

وقد تنبأ من قاموا بتغطية تلك القمة منذ بداياتها منذ عقود بأن تفشل، وكان بعض النقاد يميلون إلى وصف كل جلسة بأنها «الجلسة الأخيرة». غير أن الاجتماع السنوي استمر في التوسع أكثر وأكثر، وثار تساءل عما إذا كان المشهد الذي سنشهده في بيتسبيرغ الأسبوع القادم سيكون القمة ذاتها أم أنها ستكون قمة مختلفة.

كانت الاجتماعات السابقة تنظم كاجتماعات سرية مصغرة يقارن فيها رؤساء الدول المذكرات ويعقدون فيها اتفاقات سرية، كما كانت تُبذل جهود كبيرة لإبعاد الإعلام وإضفاء نوع من الغموض على القمة.

بيد أنه مع بداية التسعينات تحولت القمة إلى ما يشبه مهرجانا صاخبا للعلاقات العامة مصمما لتمثيل المشاركين بأفضل صورة ممكنة. وكل قمة كان يحدد لها موضوعها وتتم مناقشته على كل المستويات طوال العام، لكن القرارات الرئيسية تؤخذ قبيل انعقاد القمة بوقت طويل من قبل ما يسمى «المتخصصين» ووزراء قبل بداية انعقاد القمة بأسابيع بل وربما بأشهر.

سيكون الموضوع الرئيسي للقمة هذا العام هو الركود العالمي وسبل التخفيف منه، والسياسات التي يمكن أن تحول دون تجدده مرة أخرى. وإذا ما أنجزت المهام الموكلة إلى المتخصصين التي تضم اجتماع وزراء المالية في لندن بداية هذا الشهر فإن ذلك مؤشر على أن قمة بيتسبيرغ لا يحتمل أن تخرج بأي شيء ذا قيمة.

فالمشاركون الرئيسيون غير قادرين حتى على الموافقة على تشخيص المرض الذي أحدث الركود الحالي أو جاذبية الأزمة العالمية.

فيعتقد البعض مثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الركود الاقتصادي نتاج لما يصفه البعض بالنموذج «الأنجلو ـ ساكسوني» الذي يعمل على تهميش دور الدولة والسماح للمضاربين والمغامرين الاقتصاديين بانتهاز كل فرصة لصنع المال مع قليل من الاهتمام بمصالح المجتمع ككل.

لكن في المقابل يفترض بنموذج السوق المشتركة الأوروبية أن يضع مصلحة المجتمع في البداية مع فرض الدولة آليات تشريع صارمة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عددا من التصريحات التي تبدو في مجملها تبنيا واضحا لنموذج السوق الاشتراكية الأوروبية.

وقد استخدم أوباما وبراون الحوافز التي تدفع للمضاربين في البنوك الاستثمارية الكبرى كقضية رمزية، للتحذير من الإفراط في المخاطرة في السوق. وقبل أسبوع من بيتسبيرغ ذهب الرئيس باراك أوباما إلى وول ستريت، وألقى خطابا تعهد فيه أمام المصرفيين بأن يعدل شهيتهم للمكافآت السريعة.

وكعادة الرئيس أوباما كانت كلماته ذات وقع جيد، بيد أنها في مرحلة التطبيق تصبح مدلولات عامة غامضة. ويتوقع أن يقدم الرئيس أوباما في القمة القادمة مذكرة تضم 100 صفحة تحتوي على مقترحات إدارته للتعامل مع الركود. بيد أنه ما إن ينتهي من إلقاء كلمته فإن أوباما سيحذو حذو ميركل وساركوزي في عدم تمثيل الوثائق أهمية تذكر.

خلاصة القول: إن الإدارة الجديدة ليست لديها فكرة واضحة حول سبب حدوث الركود، ناهيك عما يجب عمله للحيلولة دون تكرره مرة أخرى.

يبدو أن كلا من أوباما وبراون قد سمحا لنفسيهما أن يجرهما سيل الأحداث.

وبفضل مليارات الدولارات التي أنفقت في عهد أوباما باتت حكومة الولايات المتحدة أضخم مصرفي ومؤمّن ومصانع سيارات ومقرض رهون عقارية، ويمثل الإنفاق الحكومي اليوم ما يقرب من 27% من الاقتصاد الأميركي، وهو ما يعد النصيب الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. حيث تقدم الحكومة تسعة من بين كل عشرة رهون عقارية وضمان كل المستثمرين ضد مخاطر الإفلاس.

على صعيد آخر تهدف خطة الرئيس أوباما للرعاية الصحية مد القطاع العام بنسبة 16% أخرى من الاقتصاد الأميركي. وليس الوضع بالأفضل في بريطانيا، حيث وصل الدين العام إلى ذروته برفض رئيس الوزراء حتى مجرد الإشارة إلى خفض النفقات غير الضرورية في القطاع العام.

واستنادا إلى الأرقام فإن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا ترتبطان الآن بنموذج السوق الاشتراكية الأوروبية كألمانيا وفرنسا. لكن مع ذلك لا توجد مؤشرات على حدوث تقدم عما كانوا عليه في ظل النموذج «الأنجلو ـ ساكسوني». فمعدلات البطالة لا تزال ترتفع بصورة لم تشهدها كلتا الدولتين منذ أربعة عقود. وعلى الرغم من النمو الطفيف في البورصات نيويورك ولندن فإنه لا توجد دلائل على حدوث تقدم دائم.

وفي الوقت ذاته يبدو أن ألمانيا وفرنسا تشقان طريقهما بنجاح في مواجهة الركود عبر فصلين متتابعين من النمو، من دون الحاجة إلى موارد لما يسمى بعملية التحفيز القائمة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، لا يوجد دليل على أن ما يدعى بالتحفيز أنتج أو قد ينتج التأثيرات المرجوة.

وفي الوقت ذاته لا يمكن للمرء التيقن مما إذا كان من الممكن أن تعود ألمانيا وفرنسا إلى النمو السريع الذي كانتا عليه إذا ما استخدمتا المستوى نفسه من الحوافز التي قدمتها بريطانيا والولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن يستمر كل من أوباما وبراون، اللذين انخفضت علاقاتهما الشخصية أدنى مستوياتها، في دفاعهما عن النموذج الاقتصادي الذي نحياه بصورة عملية.

من جانبهما، ستحاول ميركل وساركوزي الضغط من أجل إقرار تشريعات عالمية من ذلك النوع الذي يمكن أن يحول دون الصدمات المستقبلية لكن من شأنها أن تدخل الاقتصاد العالمي في فترة طويلة من الركود.

الخبر السيئ هو أنه من غير المحتمل أن تخرج قمة بيتسبيرغ بالدواء السحري ليسترد الاقتصاد العالمي عافيته. لكن الخبر الجيد هو أن الاقتصاد العالمي لم يعد بحاجة إلى ذلك الدواء بعد.

ذلك الاجتماع المتنامي من الاقتصاديين يخبر العالم بالفعل أن الركود الرهيب الذي جاء كتكرار لانهيار عام 1929 لم يكن بتلك الشدة التي كانت متوقعة. وتدعي بعض النفوس الشجاعة أن ما مررنا به أكثر من عثرة على الطريق، وجزء محتوم من الدورة الاقتصادية.

من المؤكد أن قمة دول العشرين ستكون استعراضا جيدا وعرضا للتضامن العالمي ومناسبة لتوثيق العلاقات بين دول العالم المختلفة. ونظرا لهذا السبب ولأنها لا تمثل ضررا فلا مانع من تكرارها العام المقبل.