الشيخ والحمى

TT

خرج مفتي مصر الشيخ علي جمعة، ليقول إن منع الحجاج المصريين من الذهاب لمكة ليس أمرا محرما إذا كان هناك ما يوجب هذا المنع من ظروف أمنية أو صحية أو مناخية. وقال إنه سبق لمصر في تاريخها أن توقف حجاجها عن الحج حوالي الثلاثين مرة .

قال الشيخ جمعة هذا الكلام على خلفية الخوف الذي يلف الجميع من وباء الحمى المكسيكية أو إنفلونزا الخنازير، ولم يتردد الشيخ الفقيه في إصدار هذه الفتوى، عكس مشايخ آخرين، أحجموا عن اتخاذ هذا الموقف إما جبنا من الجمهور أو قلة إدراك لخطورة وطبيعة ما يجري.

مشايخ آخرون أدلوا بدلوهم حول هذا الوباء، ولكن من باب آخر، هل من يموت جراء هذا المرض شهيدا أو غير شهيد، وهل يجوز تأجيل الدراسة بسبب هذه الحمى أم لا، وكان أحسن جواب سمعته هو للشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان، الذي قال بأنه يجب على المشايخ ترك هذه المسألة لأهلها، فوزارات الصحة والتعليم هي من يقرر جواز أو عدم جواز البدء بالدارسة، ما دخل الفقيه والشيخ بقرار كهذا؟

الحق أن هناك حالة إدمان وتعود على سؤال الشيوخ عن كل صغيرة وكبيرة، تفاصيل وأمور لا علاقة لها البتة بمسألة فقهية خالصة، سائل أو سائلة تسأل عن موضوع عاطفي، أو حلم تريد تفسيره او استشارة مهنية أو دراسية.

أحدهم سألته سائلة مسلمة من دولة أوروبية عن أمر يخص الحياة في تلك الدولة, وعندما أجابها بما لا تحب أخذت تلح عليه بالسؤال وهي امرأة تحب دينها وإسلامها، فأصر الشيخ الذي يجيب من بلده في عمق العالم الإسلامي على كلامه.

عشرات البرامج الإفتائية تحفل بالغزير من الأسئلة والتفاصيل الصغيرة التي يشغل بها المتصلون الجميع، ووسائل إعلام تكسب من هاجس الفتوى.

اعتقد أن كل هذا يدل على حالة من «الأبوية» التي يبحث عنها كثيرون من خلال الالتصاق بجبة الشيخ وعمامته، تماما كالتصاق الطفل بالأب.

ويدل أيضا على حالة كسل ذهني واعتمادية مرضية على من يقدم لنا الحلول السريعة وإراحة الضمير الديني بطريقة سريعة وسهلة.

الفتوى التي كانت ذات قيمة وشأن لأنها تصدر من أهل الإتقان والتعمق الفقهي والبصيرة في أحوال الناس، كانت تصدر بعد ترو وتبصر، أصبحت في عصر الإغواء الإعلامي سريعة ومباحة لكل من تسور عليها، ما يجري من هذه الاتصالات اليومية دليل على مدى الطفولة الفكرية والنفسية التي يعيشها الكثير منا.