العدالة في غزة

TT

قبلتُ بتردد تفويض الأمم المتحدة لي بالتحقيق في مزاعم انتهاك قوانين الحرب وقوانين حقوق الإنسان الدولية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت ثلاثة أسابيع خلال فصل الشتاء الماضي، لأن هذه القضية بها الكثير ومثقلة بالأعباء السياسية. وقد قبلتُ ذلك لأن التفويض خلال البعثة كان يهدف إلى النظر في ما قامت به جميع الأطراف: إسرائيل وحركة حماس، التي تحكم قطاع غزة، والفصائل الفلسطينية الأخرى. ووافقتُ لأن زملائي مفوضون حرفيون ملتزمون بالتحقيق الموضوعي المعتمد على الحقائق.

وفوق ذلك كله، قبلتُ لأنني أومن بشدة بحكم القانون وقوانين الحروب ومبدأ لزوم توفير أقصى حماية ممكنة من الضرر للمدنيين خلال النزاعات المسلحة.

وقد انتهكت جميع الأطراف خلال حرب غزة هذا المبدأ المهم، فمات الكثير من المدنيين دون ضرورة وأصيبت أعداد أكبر بجروح خطيرة. وقُتل ثلاثة داخل إسرائيل وجرح المئات بسبب صواريخ غزة التي أطلقتها حماس وغيرها من الفصائل. وماتت فتاتان فلسطينيتان بعد أن أخطأت هذه الصواريخ طريقها.

ومات في غزة مئات المدنيين بسبب الهجمات غير المناسبة على أهداف عسكرية مشروعة، وبسبب هجمات نُفذت على المستشفيات وغيرها من المباني المدنية. ومات هؤلاء باستخدام أسلحة دقيقة مثل الصواريخ التي تطلقها طائرات جوية تعمل دون طيار وباستخدام المدفعية الثقيلة. ومرة أخرى، لقد عجزت قوات الدفاع الإسرائيلية عن التمييز بالصورة المناسبة بين المقاتلين والمدنيين وفق ما تفرضه قوانين الحرب.

إسرائيل على حق في أن تحديد المقاتلين يعد أمرا صعبا في منطقة مزدحمة بالسكان بدرجة كبيرة وفي القول بأن مقاتلي حماس كانوا يمتزجون في بعض الأوقات مع المدنيين. ولكن، لا يخلي هذا إسرائيل من الالتزام باتباع كافة الإجراءات الممكنة من أجل تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين.

وقد وجد فريق تقصي الحقائق التابع لنا أن إسرائيل كان يمكنها في الكثير من الحالات بذل المزيد من أجل تجنب المدنيين دون أن تضحي بأهدافها العسكرية المشروعة الواضحة. وكان يجب ألا تهاجم إسرائيل المباني المدنية وألا تقوم بأشياء ربما أعطت لها ميزة عسكرية ولكن على حساب أرواح كثيرة للغاية بين صفوف المدنيين. ويجب أن تحقق على إسرائيل في هذه الحالات، وحماس ملزمة بأن تقوم بالمثل، فعليهم أن يدرسوا ما حدث وأن يعاقبوا أي جندي أو قائد يتبين أنه انتهك القانون.

وللأسف، فإن إسرائيل وحماس لديهما تاريخ مظلم في التحقيق مع الجنود التابعين لهما. ولا أعلم أن هناك حالة واحدة تمت فيها معاقبة مقاتل في حماس لأنه أطلق عن قصد صاروخا تجاه منطقة مدنية داخل إسرائيل، بل على النقيض من ذلك يثني قادة حماس بصورة متكررة على هذه الأشياء. وعلى الرغم من أن إسرائيل بدأت التحقيق في انتهاكات زُعم قيام قواتها بها خلال حرب غزة، فلا يحتمل أن يكون هذا التحقيق جادا وموضوعيا.

وفي حال غياب تحقيق محلي يمكن الاعتماد عليه، يكون على المجتمع الدولي أن يلعب دوره، حيث إنه إذا تعذر تحقيق العدالة للضحايا المدنيين عبر الهيئات المحلية فيجب على الحكومات الأجنبية أن تتصرف. وهناك العديد من الآليات التي يمكن من خلالها السعي لتحقيق العدالة الدولية، ومن بين هذه الآليات المحكمة الجنائية الدولية وحق النظر في دعاوى قضائية دولية من قبل دول أخرى ضد من ينتهكون معاهدات جنيف. ويعتمد ذلك على فكرة أن المقاتلين المتعسفين وقادتهم يمكن جلبهم للعدالة حتى لو كانت حكوماتهم وسلطاتهم الحاكمة غير مستعدة للقيام بذلك.

والسعي لتحقيق العدالة في هذه القضية شيء ضروري لأنه لا يجب أن تكون هناك دولة أو تنظيم مسلح فوق القانون. وتواجه الحكومات الغربية تحديدا تحديا لأنها سعت للمحاسبة في أماكن مثل دارفور ولذا يجب عليها القيام بالمثل مع إسرائيل، وهو حليف ديمقراطي.

والعجز عن تحقيق العدالة على ضوء الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبت خلال الحرب سيكون له أثر مزعج على العدالة الدولية وسيعكس نفقا غير مقبولا. ويجب محاسبة من قاموا بالانتهاكات الخطيرة من أجل مئات المدنيين الذين قضوا دون حاجة ومن أجل تطبيق العدالة الدولية بالتساوي.

*كبير المدّعين في محاكم جرائم الحرب الخاصة برواندا ويوغوسلافيا السابقة ورئيس بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في الحرب الإسرائيلية على غزة

*خدمة «نيويورك تايمز»