لمناسبة السراح

TT

فلنتخيل أيضا هذا المشهد، على صعوبته، وعلى محدودية مخيلتنا: يتمكن السيد منتصر الزيدي، بصفته الصحافية، من حضور مؤتمر صحافي يعقده جورج بوش، آخر وأسوأ رمز «للأميركي البشع». يقرر الصحافي أن يثير اهتمام العالم وتعاطفه. بدل أن يطرح سؤالا، يقف لبضع ثوان ويقول للرئيس الأميركي، أمام كاميرات العالم: ليس لدي من سؤال أطرحه عليك بل بعض كلمات أقولها لك، وأنت فوق ركام بغداد التي لا تجرؤ على دخولها في وضح النهار: لماذا جئت من التكساس إلى هنا، بثياب الكاوبوي، لكي تدمر بلدي وتقتل شعبي وتفتت وحدتي؟ بأي حق وبأي تفويض وبأي قانون؟. أنت لا تعرف العراق حتى على الخريطة ولا تعرف حتى خريطة بلادك، فأي جهل وأي عجرفة وأي استباحة وأي شهوة للقتل حملتك إلى هنا؟ وماذا تفعل الآن بيننا؟ هل تتفقد الدمار أم المقابر أم صناعة الأكفان الجماعية؟

قبل أن ينهي الصحافي كلمته يتدخل رجال الأمن لإسكاته وإخراجه من القاعة. لكن صورته وكلماته تبقى في ذاكرة العالم على أنه العراقي الذي قال لجورج بوش، وجها لوجه، ما لم يجرؤ جميع العراقيين الذين قابلوه على قوله حتى إلى حراسه ومعاونيه.

ويبقى في ذاكرة العالم، صورة شاب شجاع، يعبر عن نفسه وعن شعبه بكلمات مؤثرة، صادقة، وحقيقية. أما لغة الأحذية فلا تقول شيئا، ولو وجدت من يصفق لها بين جمهور المتفرجين. ولا هي تعبر عن حجم الألم والمرارة والعذاب الذي يضيم العراق. بالعكس. تحولت المسألة كلها إلى شكوى بالأحذية وخطاب بالنعال. وسوف يضايق هذا الكلام، أو هذه اللغة، مجندي لغة النعال وفصاحتها، لكن الآن وقد خرج الزيدي من السجن عائدا إلى الصحافة، فإننا نأمل أن يساعد في إعطاء الصحافة العربية صورة أخرى وسمعة أخرى وشجاعة أخرى. شجاعة الرأي المفحم والمؤثر، وخصوصا المرتقي إلى مستوى اللغة التي ينتمي إليها. وأتمنى ألا تكون قد حفرت في ذاكرة العالم، صورة الشعب الأميركي الذي يقصف الناس بالطائرات، والشعب العربي الذي يرمي بالأحذية.