أميركا تحرر الفيل

TT

كلعبة الشطرنج، قدمت أميركا جنديا، أو أكثر، لتحرر الفيل على لوحة الشطرنج أمام إيران، فقرار واشنطن إلغاء نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، يوحي من اللحظة الأولى بأن واشنطن شرعت في تحييد روسيا عن إيران، كما شرعت في بناء تحالف مواقف دولية أمام الملف النووي الإيراني.

التحرك الأميركي الذي جاء على لسان باراك أوباما أول من أمس سبقه تصريح روسي يجب التنبه له، حيث أعلن الرئيس الروسي ميدفيديف الأسبوع الماضي أن العقوبات على إيران بسبب ملفها النووي «فعاليتها ضئيلة.. لكن لا بد منها أحيانا».

وبهذا فنحن اليوم أمام مشهد تصعيدي في منطقتنا قد يؤدي إلى أحداث كبيرة، فمن ناحية هناك التحرك الإسرائيلي، على قدم وساق، من أجل منع إيران من الوصول إلى هدفها النووي، سواء في أوروبا أو موسكو، وقبل ذلك الحديث عن اختفاء نتنياهو لمدة عشر ساعات. ومن ناحية أخرى نحن أمام أعوان إيران في منطقتنا والذين غالبا ما تأتي تحركاتهم، لخدمة طهران، على حساب المنطقة وقضاياها، مما يخلف لنا حروبا، وأزمات، فبمقدار ما أننا أمام احتمال أن تنفرج أزمة الفلسطينيين من خلال الضغط الحاصل على إيران، بقدر ما أن جبهة غزة قد تكون مرشحة لحرب قادمة بين حماس وإسرائيل.

وهناك أيضا الوضع في لبنان، حيث تحركات حزب الله التي قد تؤدي إلى حرب استباقية توعز لها إيران من أجل إشغال إسرائيل، مما قد يؤزم الوضع المتأزم أصلا في لبنان. يضاف إلى كل ذلك الحيرة السورية بين أوضاع منطقة مرشحة لانقلاب معادلة القوى فيها، فقوة سورية عادة ما تقوم على التعطيل، لا المشاركة الفعالة في أي قضية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهناك جبهة دبلوماسية جديدة مفتوحة على دمشق وهي جبهة العراق، والمرشحة لتصعيد سياسي.

وهكذا فبقرار أميركي واحد، وهو التخلي عن نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، تكون منطقتنا قد عادت إلى مرحلة تأزيم وترقب حيال ما قد يحدث لإيران. صحيح أن أميركا تستخدم أوراق القوة لديها، وتلعب مع موسكو لعبة المصالح، ولكن هناك أيضا اللعبة الإسرائيلية غير المعلومة، حيث إن إسرائيل دائما ما تنطلق من دافع أمني.

كل ما مضى من انقلاب في قواعد اللعبة يضاف له الوضع الداخلي المتأزم في إيران، والذي يبدو أن شرخه أعمق مما يبدو، ومما يقال، فتصريحات المرشد الأعلى تشير إلى ضعف أكثر من كونها قوة، وتصريحات نجاد، والحرس الثوري، تعكس انقلابا عسكريا داخليا في إيران، مما يعني انقساما شعبيا، مثل ما أننا نرى انقساما في النخب الدينية، ناهيك عن النخب السياسية.

وفي النهاية فإن إلغاء أميركا مشروع الدرع الصاروخية يصب في عدة اتجاهات، فمن خلال ذلك القرار ابتعد أوباما فعليا عن سياسات بوش الخارجية، ووفر على بلاده فاتورة مالية ضخمة، وتقدم خطوة مهمة تجاه موسكو، من خلالها قفل زاوية حيوية على طهران.

ويبدو أن القادم أكثر أهمية.. دعونا نراقب.

[email protected]