عيدكم مبارك

TT

رمضان ولّى بفضله وخيراته، أعاده الله علينا ونحن في معنويات مرتفعة، ولياقة بدنية عالية، ليتسنى لنا صيامه وقيامه ونحن في أحسن حالاتنا.

ولفت نظري في التراث الإسلامي عموماً معزّة المسلمين لبطونهم، والتغزل دائماً بأطايب الطعام، وهذا أمر يصيبني دائماً بما يشبه (سدّة النفس)، وكثيراً ما قرأت لهم أشعارا في هذا المجال، وهم يعتبرون ذلك على سبيل الفكاهة، ولا أذكر أنني قرأت شيئاً منها وضحكت.

حتى الإمام (البوصيري)، صاحب القصيدة المشهورة الرائعة: (البردة)، التي لا أعتقد أن شاعراً في طول الزمان وعرضه قال مثلها في مدح الرسول.

الإمام البوصيري نفسه تورط مع الأسف في مثل هذا النظم، وهو يعتب على القاضي (عماد الدين) لأنه لم يقدم له كنافة رمضان، وذلك في قوله:

ما أكلنا في ذا الصيام كنافة

آه وأبعـدها علينا مسافة

قال قـوم: إن العماد كريم

قلت: هذا عندي حديث خرافة

فأعلموه عني ولا تعتبـوني

إن عندي في الصوم بعض الحرافة

وذكر أحد المؤرخين: أن قصر الخلافة العثمانية كانت له عادة مألوفة في شهر رمضان، تلك هي إقامة ولائم إفطار تحضرها طوائف مختلفة من الناس، وكل من يحضر هذه الولائم يقبض بعد إفطاره مبلغاً من المال، وهو يسمى بالتركية: «ديش كراسي» أي أجرة الأسنان، أو نظير التعب الذي يلقاه الآكل في مضغ الطعام وازدراده!

ويقول (المويلحي) عن ذلك: «إنها عادة قديمة من عوائد بيت السلطنة، وفي أواخر الشهر يفطر الضباط والعساكر في القصر السلطاني، فيعطى للضابط أجرة أسنانه قيمة مرتبه الشهري، ويعطى للعسكري كذلك. وقد انحصرت هذه العادة في السنوات الأخيرة في طائفة الجواسيس الذين يقدمون تقاريرهم إلى الباب العالي، حيث يعرفهم جلالة السلطان بأشخاصهم». رغم أن أحد الشعراء قد صور حال عائلته المزري وقال مخاطباً السلطان:

إليك نشكو حالنا إننا

عائلة في غايـة الكثرة

صاموا مع الناس ولكنهم

كانوا لمن يبصرهم عـبرة

وأقبل العيد وما عنـدهم

قمح ولا خبز ولا فطرة

ترحمهم إن أبصروا كعكة

في يد طفل أو رأوا تمرة

أما أحلى ما في الموضوع أن (المسحراتيّة) في ذلك الزمن لم يكن كلهم من الرجال، فقد كان بعض المسحرات من النساء الفاتنات، وقد سجل ذلك صاحب (حلبة الكميت) في القرن الثامن الهجري ببيتين لشاعر أغفل اسمه وهو يتغزل بامرأة (مسحراتية) عندما قال:

عجبت في رمضان من مسحرة

قالت ولـكنها في قولها ابتدعت:

«تسحروا يا عباد الله» قلت لهــا:

كيف السحور وهذي الشمس قد طلعت؟

وأختم مقالي قائلاً لكم: عيدكم مبارك، ولا تنسوني من حلاوة العيد.