قف أيها العيد

TT

تتباعد المسافة بين الإنسان والإنسان وتنأى الدروب، وغداً العيد يختزل في رسالة «موبايل» باردة مثلجة مكررة يتداولها الناس، تبدأ بـ«send»، وتنهي بـ«delete»، وكأن العيد قطار شحن عابر لا يفرغ حمولته من الفرح في محطة انتظارنا.

كان العيد عيداً، نراه في ملابس الأطفال الملونة، في مراجيح العيد، في بهجة الميادين، في دخان المباخر، في ثغور الأمهات، وفي أهازيج الصبايا، وغدا خبرا تبثه نشرات الأخبار الرسمية، ويختلف المنظرون حول قدومه عن طريق الرؤية أو المراصد الفلكية، قبل أن يواصل المذيع سلسلة الأخبار عن إنفلونزا الخنازير، وتفجيرات بغداد، وحروب الحوثيين، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، وأزمة الوزارة في لبنان، وشقوق الثوب في السودان، وبعد كل ذلك، ورغم كل ذلك، ينطلق صوت أم كلثوم:

«يا ليلة العيد أنستينا

وجددت الأمل فينا

يا ليلة العيد»

وروشن عتيق في أقصى الطريق يسكب النظرات في انتظار غائب لن يعود!

الليلة عيد، دثر أحزانك بأحزانك، وغنّي:

«ومن العايدين إن شا الله

ومن الفايزين إن شا الله»

ومسن يفترش الرصيف، دفعته طلقات مدفع واهنة تعلن قدوم العيد إلى «جردة حساب العمر»، كم مرت به الأعياد، وكم مر بها، كم اعتلى أرجوحتها، وكم هبطت به، قبل أن تقذفه إلى الرصيف، ليجدل من فتائل صبره ما يواجه به مرارة الزمن.

ومذيع النشرة بـ«غترته» المنشاة، يواصل ابتسامته الموسمية!

وتتباعد المسافة بين الإنسان والإنسان، وتنأى الدروب، وغدا العيد يختزل بثوب جديد، وسهوب من العراء، وخلف باب نصف مفتوح، ولربما نصف مغلق، جفاه الطرّاق والزائرون، رسمت حليمة في الخيال زائرا مستحيلا، ووقفت في انتظاره، فلقد مضت أعوام طويلة منذ أن أغلق الباب خلفه ولم يعد.

فقف أيها العيد حتى ينبت للغريب وطن، ولليتيم أب، وللأرملة معين، وللوحيد أهل.. قف أيها العيد حتى نتقاسم الفرح القليل.

[email protected]