ماركس في لبنان

TT

لم يكن ثمة شطط في الماركسية سوى أن كارل ماركس أراد أن يعيد تشكيل العالم، بكل إرثه وتقاليده وغرائزه وشهواته ورغباته. وقد كتب في نقد ماركس وفي مديحه ألوف الكتب والمطالعات والمحاضرات والمقالات. ولم نصل إلى نتيجة واحدة بعد، لا هو ولا نحن ولا الأحزاب الشيوعية في العالم، التي بقي منها ثلاثة: الحزب الشيوعي في قبرص، ومنه رئيس الدولة، والحزب الشيوعي في كوبا، ومنه رئيس الدولة، والحزب الشيوعي في لبنان ومنه الرفيق خالد حدادة.

صدر مؤخرا في فرنسا كتاب بعنوان «ماركس» للكاتب جاك اتالي، مستشار فرنسوا ميتيران، يحاول فيه رد الاعتبار للألماني الذي مات معوزا. وصدر حديثاً كتاب في لندن عن انغلز وعلاقته بماركس وتأثيره عليه. وواضح أن الرجل أحيل إلى الكتب بصورة نهائية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وسقط معه الحظر على النقاش والبحث والعودة إلى حقبة امتدت سبعين عاما قضى فيه سبعون مليون بشري ما بين الصين وروسيا وحدهما، من أجل إثبات الوعد الماركسي بالجنة الأرضية.

لكن شيئا من هذه الجنة، أو من كفايتها، ظهر بعد استقالة المفكر الألماني من عقول البولنديين والألمان الشرقيين والتشيكيين، وحتى رومانيا التي ينخر الفساد مفاصلها نخرا. أما في ظل ماركس نفسه فلم يعش سوى الحلم الطوباوي الذي لا يبدو ممكنا حتى في الحلم. وكان العقاد شديد القسوة على الفكر الماركسي، فلم يسمه حلما، بل «تخريفا». وبالغ أيضا في شرح ماركس عندما قال إنه «وعد المصدقين به مجتمعا عالميا واحدا من طبقة واحدة، لا سيد فيها ولا مسود، ولا حاكم ولا محكوم، يأخذ كل من فيها حقه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس، وينتهي فيه طمع الطامع وحيلة المحتال وكسل الكسلان، كما ينتهي فيه حب الرئاسة ونزاع المتنازعين على مراكز التصريف والتدبير بغير مدبر، فلا يحق لأحد أن يعتبر نفسه أنه أحق بهذه المراكز من أخيه، ويعم ذلك أقطار الأرض من مشارقها إلى مغاربها. ومن شمالها إلى جنوبها، فيزرع الزارع مقدار ما يلزم في الدنيا، وتنتظم المواصلات والمبادلات بينها بغير رقابة ولا إشراف (..) وفيما بين ذلك ينقطع للعلم من هو أهل للعلم، والفن من هو أهل للفن، وللاختراع من يقدر عليه، وللصناعة من يحسنها (..) مثل هذا التخريف يخجل منه كل حالم في طوباه».

لو عاش مولانا العقاد إلى زمننا هذا لوجد أن لا طوباوية ولا يوطوبيا. كل ما وعد به ماركس تحقق في لبنان. لا طمع ولا رئاسة ولا نزاع ولا خلاف. شعب متجانس خلف هدف سام واحد هو الإنسان والوطن، وزيادة في التوكيد، جميع البشر وجميع الأوطان وجميع الدول وسائر الأمم.