شوارعنا: شوارع الدموع!

TT

صدفة؟ قدر؟ يجوز. مصير صارم أن تتجاور بيوت يموت فيها صديق إلى بيت يدخل السجن صديق ويهرب إلى خارج مصر صديق.. والذين لم يهربوا تزوجوا وانفصلوا ولذلك فبيتهم تتكاثر فيه الدموع على الأطفال الصغار ودموع الأم التي انهارت وهرب الزوج وكانت النتيجة: هذه الصورة اللامعة بالدموع السوداء بالتشاؤم وطعمها مر، فلا صديق ولا قريب ولا أحد يساعد أو يخفف عن أحد شيئا. وهذه حال الدنيا..

وآخر هذه البيوت لا تزوج أحد ولا انفصل فيه أحد عن أحد ولا أطفال. وهو مفتوح لأي أحد. ولكن لأن القلوب حزينة فلا أحد يجيء لأن أحدا لا يستطيع أن يخفف عن أحد هموم اليوم والغد.. وهذا بيتنا.. أي بيت أمي..

والشارع له اسم الزعيم سعد زغلول. وبيت سعد زغلول الذي هو بيت الأمة مغلق لا يدخله أحد من أبناء الأمة.. فأصحاب البيت غابوا إلى الأبد.. ومن هنا كان ظلام البيت وبرودته.. وأن تختاره البومة مقرا رسميا لها..

ـ وفى يوم سألت أمي: من زارك هذه الأيام؟ قالت: لم يزرني أحد بل ذهبت أنا إليهم جميعا..

ـ جميعا؟!

ـ نعم.. لا بد أنهم عاجزون عن المجيء.. والحق معهم يا ابني. فالهموم ثقيلة وتزداد الهموم إذا حملها أهل البيت وحدهم. فهم يضيفون إلى همومهم هما مشتركا هو: العقوق يا ابني..

والعقوق أن أحدا قد تنكر للذين ساعدوه أو الذين أعطوه أو ساندوه يوم حاجته إلى ذلك.. ولم أرَ أن كلمة (العقوق) هي الكلمة المناسبة. ولكن عندما يكون الإنسان حزينا فهو يقول انه أعطى. ولكن هذا إحساسه وهذه هي لحظة الامتنان. والامتنان ثقيل ونادر أيضا ولهذا لا يجيء أحد لأنه غير قادر على أن يحمل همومه مضافا إليها هم الامتنان مع أنه لم يكن بيننا ما يستحق ذلك!

يتبع