الحرب غير المبررة على أخطاء الصحف

TT

«مراجعة الحقائق» أحد الأعراف التي تلجأ إليها بعض المطبوعات، والتي عادة ما تكون المجلات، حيث يقوم بعض الموظفين بدعوة مراجعي الحقائق الذين يستدعيهم موظفون يسمون الكتّاب للتأكيد على كل الحقائق الواردة في المقال عبر البحث عن تلك الحقائق في الصحف التي لا يوجد بها مراجعو وقائع. وخلال مسيرة صحافي نقية كنت أسخر في بعض الأحيان من هذه الممارسة، ولقد دأبت على رفض انتقادات زملائي بأن مشكلتي الحقيقية مع الحقائق ذاتها. لكنني بدأت أعتقد أنهم قد يكونون على صواب، فمن يستطيع أن يأخذ الحقائق بجدية بعد قراءة التصويبات اليومية في صحيفة «نيويورك تايمز»؟ على الرغم من أن الهدف من هذا العمود هو إبراز استقامة الصحيفة في الحديث عن الحقائق بجدية. والحقائق التي تصححها غالبا ما تكون غريبة أو تافهة ولهجتها عتيقة الطراز لدرجة أن تأثيرها على دقة الحقائق تبدو سخيفة.

هناك نماذج مكررة غريب للتصويبات التي تقدمها «التايمز»، فخلال الأسابيع القليلة الماضية كانت هناك بعض التصويبات حول الأسماء الرسمية لبعض مؤسسات التعليم العالي (كلية William & Mary وليس كلية (William and Mary، وكذلك حذف اسم المؤسس المشارك لشركة وحول اسم خدمة لإجراء المكالمات للمسافات البعيدة (فوكسوس وليس فوفوكس) وأيضا فرقة باليه (باليتس روسز وليس باليت روسز). ويخدم إجراء تلك التصويبات على هذا النسق هدف الصحيفة بأن تكون صاحبة السبق وأن تعمل أيضا على إرضاء القراء، لكن من هؤلاء الذي يضعون لشركاتهم اسما مثل «فوكسوس» أو «بابلك أفيرز»، ومن ثم يغصبون ويطالبون بعد ذلك بتصويبات عندما تخطئ الصحيفة؟ هل لا يملك أي فرد في «College of William & Mary» أي شيء أفضل للقيام به من التنقيب في وسائل الإعلام عن حظوظ تصويب اسمها؟ لماذا لا يغير هؤلاء الأفراد أسماء مؤسساتهم لشيء مثل «فوفوكس» أو «William and Mary College» ومتابعة مشوارها؟

ذلك الولع أو الهوس بتصويبات مسهبة ومقيتة والدقة في نقل الحقائق هي على الأغلب مبنية على سوء إدراك بأن الأفراد عندما يشتكون من الفهم الخاطئ للصحافة فإن ما يزعجهم هو أن الصحيفة أشارت إلى الجبل الموجود داخل متنزه دينالي الوطني على أنه جبل دينالي (كما يشار إليه من قبل الكثيرين، وقد قامت التايمز بنشر ذلك كما هو)، وليس باسمه الرسمي جبل ماكنيلي، والذي لم يتغير رسميا، أو أنهم يهتمون بخطأ الصحافي في ذكر حجم دوري الهوكي الوطني عندما اعتزل إد جونسون الذي ساعد فريق بوستون بروينز في الفوز بلقب كأس ستانلي عامي 1970 و1972. وما يزعج الأفراد أيضا هو رفض «التايمز» والصحف الأخرى نعت الرئيس أوباما بالاشتراكي أو المسلم أو القول صراحة إن مذيعي الراديو طفيليون. وباختصار فإن غالبية المشتكين يميلون إلى أن يكونوا آيديولوجيين تختلف رؤيتهم للجريدة الدقيقة عن أصحاب الخبرة من المهنة الصحافية.

وخلال تصويب أسطوري بالفعل الشهر الماضي اعتذرت «التايمز» عن سبعة أخطاء واقعية في مقال واحد، والذي كان تأبينا لوالتر كرونكايت واحتوى على أخطاء مثل أخطاء هجائية «Telstar» بدلا من «Telestar»، وخطأ في ذكر تاريخ اغتيال مارتن لوثر كنغ. وكتب محرر الشؤون العامة عمودا ذكر فيه المفارقة في أن كرونكايت «اشتهر بتقاريره شديدة الدقة والتفاصيل»، فهل كان كذلك؟ لا أعتقد أن كرونكايت قد قدم أي نوع من التقارير خلال ذروة مجده، وما اشتهر به كان القراءة من الملقن الإلكتروني، لكن ذلك تصويب لن تتمكن من أن تراه.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»