سنرحل من العراق بصورة أو بأخرى

TT

انقضى شهران على انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، ووهم تحول العراق السلس إلى حياة طبيعية خالية من العنف الطائفي. وأخيرا رد الجنرال راي أورديني قائد القوات الأميركية هناك على سؤال لمراسل «واشنطن بوست»، غريغ غافي، عما إذا كانت الحرب قد وضعت أوزارها هناك من الناحية العملية فقال: «لا يزال هناك مدنيون يقتلون، ولا يزال هناك أشخاص يحاولون مهاجمة النظام العراقي الجديد والتحول نحو الديمقراطية والانفتاح الاقتصادي، لذا لا يزال أمامنا بعض العمل لكي نتمه».

إننا لا نقوم بأي شيء هناك، حتى إن كنا كما تقول، كما نقل غافي، فإن مهمة 130.000 جندي أميركي تنصبّ على الإشراف على الجيش العراقي وحماية مناطق وجود القادة السياسيين والمشاحنات الطائفية. وبعد ما يقرب من ستة أعوام ونصف من الوجود في العراق ومقتل 4.327 جندي أميركي وجرح 31.483 وحرب تسير نحو الأسوأ في أفغانستان، بات من المتعذر بالنسبة للجيش الأميركي ـ الذي تمدد أكثر من اللازم وفي حاجة إلى إصلاح مادي وتعافٍ عقلي ـ لأن يظل في العراق لكي يحسن من غرائز الصفوة الفاسدة. وإذا ما كان هناك استخدام أكثر سوءا للجيش الأميركي من بناء أمة، فسيكون الإشراف على بالغي وتعديل سلوك سياسييّ الشعوب الأخرى.

وللتدليل على ذلك فقد شهدت الفترة منذ الثلاثين من يونيو (حزيران)، الذي شهد انسحاب القوات الأميركية من المدن، وحتى الآن مقتل أكثر من 725 عراقي في حوادث إرهاب. وسوف تكمل القوات الأميركية المقاتلة انسحابها من البلاد خلال عام، في حين يتبقى 50.000 جندي كمستشارين للحكومة العراقية التي تعلن أن وجود القوات الأميركية بات غير مرغوب به.

سيغادر المستشارون أيضا بنهاية عام 2011 وعندئذ يكون قد انتهي فيه العامان الأخيران للوجود العسكري هناك. بيد أن هذا الوجود لا علاقة له بالفوضى التي تزداد يوما بعد يوم، والتي لا تستطيع الحكومة العراقية احتواءها أو الامتناع عن المشاركة فيها. وليس ببعيد عنا تورط عناصر من الحكومة في السرقة الأخيرة لمصرف تديره الدولة في وسط بغداد.

وقد كان ديفيد إغناتيوس، كاتب الرأي في صحيفة «واشنطن بوست»، محقا عندما قال: «سيكون العراق من دون الدعم الأميركي عرضة للضغوط الإيرانية»، وأشار أيضا إلى أن أحد مسؤولي الاستخبارات العراقيين اعترف بأن صلات رئيس الوزراء نوري المالكي مع إيران وثيقة جدا لدرجة أنه يستخدم طائرة إيرانية بطاقم إيراني لرحلاته الرسمية، وعندما تغادر القوات المتحدة العراق ستظل إيران جارة العراق.

أشار كينث بولاك، من معهد بروكينغز، في مقال في دورية «ناشيونال إنترست» إلى أنه «رغم إمكانية مساعدة القومية العراقية في رأب الصدع بين السنة والشيعة فإنها قد تعمل على تفاقم العلاقات مع شبه الدولة الكردية في شمال العراق حيث يتم التنافس على الكثير من نفط مدينة كركوك».

ويشير بولاك إلى أن الأحزاب المقاتلة التي حكمت العراق من 2003 وحتى 2007 لا تزال تشكل الأحزاب الرئيسة في البلاد على الرغم من أن غالبيتها تخلت عن المليشيات، لكنهم لا يزالون يمارسون الرشوة والابتزاز والاغتيالات والخطف والسرقة وتخريب الممتلكات عن عمد والحيلولة دون بروز أحزاب سياسية جديدة أكثر علمانية وديمقراطية وتمثيلا للعراقيين وأقل فسادا وأقل عنفا. وإذا ما نجحوا وأُجبرت أميركا على الخروج فإن بريق الديمقراطية سيخبو وسيخسر العراق مرة أخرى. لكن إذا ما كان وهج الديمقراطية خافتا فإن ذلك سيختفي بانسحاب القوات الأميركية الحامية من العراق وقد يتأخر اختفاء ذلك البريق عاما أو عامين لأن أحدا لن يستطيع الحيلولة دون ذهابه».

يجب أن تخضع الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الولايات المتحدة والعراق عام 2008 لاستفتاء من قِبل الشعب العراقي وإذا ما رفضها يجب أن تغادر القوات خلال عام. ويعتقد بولاك أن المالكي إذا ما دفع لإقامة استفتاء في يناير (كانون الثاني) بالتزامن مع الانتخابات الوطنية فإن الاتفاقية ستصبح قضية الحملة وستشير إلى أن المالكي يرغب في رحيل القوات الأميركية لتوسعة حرية تصرفه. ومن ثم يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل مع ذلك.

يعتقد الكثير من المفكرين أن بولاك يقول إن الدول التي عانت من حروب أهلية بقدر العراق بين عامي 2004 و2006 تزداد احتمالات انتكاستها بصورة أكبر. وعامان آخران من الوجود الأميركي في العراق لا يمكن أن يضمنا ما إذا كان ذلك في صالح مستقبل العراق من عدمه. ويعتقد البعض أن الحرب في العراق لم تكن فقط مجرد انتصار ولكن تم حمايتها بالنجاح في زيادة عدد القوات عام 2007. غير أن العنف في العراق عاد إلى الزيادة ومنطق التشفي هو السائد هنا.

وإذا ما كانت زيادة عدد القوات الأميركية، على عكس الأدلة المعاصرة، قد نجحت في القضاء على العنف الطائفي إلى ما لا نهاية، فبمقدور القوات الأميركية العودة إلى الوطن قبل نهاية 2011، أما إذا لم تكن تلك الزيادة قد نجحت في ذلك فيتوجب على القوات الأميركية أن تعود إلى الوطن قبل ذلك بكثير.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»