أقل حديثا وأكثر صرامة

TT

بمجرد أن بدأت بتغطية باراك أوباما علمت أنه سوف تكون هناك مشكلات، لكنها ليست من نوع المشكلات العالمية مثل مشكلات دبليو وديك تشيني، كما أنها ليست مشكلات سلوكية مثل مشكلات بيل كلينتون وجون إدواردز، وهي ليست مشكلات سخيفة مثل مشكلات جون كاري ومايكل دوكاكيس. لكنه كان ذلك النوع من الرجال الذي يجلدك من فينة إلى أخرى، عندما تكون في كامل استثارتك، ثم يتركك هادئا، وعندما يتركك الهدوء ويتملكك الغضب ويكون الوقت على وشك النفاد فإنه يقوم بسحرك ببعض غبار السحرة المتلألئ.

إنه طراز مضجر، وهو ليس من الطراز المتصابي الذي يضيع الوقت وينغمس في التخبط الشخصي، مثل بيل كلينتون، وليس مخيفا مثل ديك تشيني الذي اعتاد على صنع الدمى الورقية من الدستور، لكنه رغم ذلك ليس في قدر جيد بارتلت أيضا. فبعد العمل على إخفاء قدراته الخارقة على الإقناع والتحليل طوال الصيف، يأتي الرئيس بعد وقت طويل ليشرح خطة الرعاية الصحية الخاصة به أمام الجمهور الذي يزيد شكه وتزداد مخاوفه.

لقد كان عليه إلقاء هذا الخطاب في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وكان عليه الاستعانة بقاموس أفضل. فليس بوسع المرء تغيير مصطلح واضح مثل «مجالس الموت» إلى مصطلح غريب مثل «الخيار العام».

إن الرئيس أوباما يمتلئ بالرغبة في أن يكون مختلفا، وأكثر إرضاء للآخرين، وودودا، وفي سبيل ذلك فإنه يتجاهل بعض الحقائق. وفي بعض الأحيان، عندما تمتلك فن السحر فإن عليك أن تضع قدمك على عنق معارضك، وعندما تحاول الحصول على الموافقة على أجندة لا طائل وراءها فإنه من الجيد أن يخشاك الأفراد الذين قد يعترضون طريقك ـ بمن فيهم هذه العناصر المتمردة في حزبك. والحوار المتحضر شيء جيد، ولكن عندما يشن الجانب الآخر حربا قذرة فإن عليك أن تغضب، فعلى المرء ألا يدع الثور ينثر الرمال في وجهه. وكان على البيت الأبيض أن يطوق دعوة مجالس الموت بمجرد ظهورها.

بل إن ستيف هيلدبراند، وهو الاستراتيجي الذي ساعد في فوز أوباما التاريخي في انتخابات أيوا، يشتكي من أن بطله السابق «يحتاج إلى أن يكون أكثر شجاعة في قيادته». وقد أبدى انزعاجه من عدم اشتراك أوباما في التوجه الخاص بالرعاية الصحية وحقوق الشواذ، وقال لبين سميث من بوليتيكو إنه «يفقد صبره».

وقد كان من السهل على أوباما أن يفوض غيره عندما كان مشتركا في صحيفة كلية هارفارد للقانون، ولكن من الجنون أن يذهب ويلعب الغولف ويفوض آخرين للكونغرس، تاركا نانسي بيلوسي تقوم بدوره. وبعد الإشارة إلى أنه ليس هناك شيء يندم عليه فيما يتعلق بقانون الرعاية الصحية، وبعد إسقاط فان جونز في المعارضة الأولى لغلين بيك ـ الذي نعت أوباما بأنه «عنصري» ـ فإنه قد بات ينظر إلى الرئيس على أنه صيد سهل.

وإذا لم يتسلح أوباما بأسلحة رامبو فإن الديمقراطيين سوف يكونون على قناعة تامة بأنه سوف ينهزم أمام أي أزمة جديدة،

وفي ظل غياب قيادة رئاسية أكثر قوة فإن الديمقراطيين قد عادوا إلى مادة الـ«دي إن إيه» القديم الخاص بهم، الشجار والإنفاق الداخلي المدمر. وكذلك فإن الجمهوريين قد عادوا إلى طبيعتهم أيضا، فهم يهاجمون الإنفاق الحكومي الكبير بينما لا يفعلون ذلك مع حزبهم. ومثلما ترك هيلاري تعيد الحياة إلى حملتها المتهاوية في نيو هامبشاير، فإن أوباما ترك الجمهوريين المحتضرين ينعشون أنفسهم في صورة ليمبوف وبالين. وقد كان مسؤولو الإدارة يرددون دائما أن الجمهوريين قد بالغوا في نقد الرئيس بسبب إلقائه خطابا يحث فيه الطلاب على الجد في الدراسة وأن يولوا اهتماما كبيرا بمستقبلهم وأن يقوموا بغسل أيديهم.

وفي الحقيقة لقد بدا الجمهوريون المعارضون مسرورين، وقد شرح جو واتكينز، وهو استراتيجي مخاطر، ترك «أحد أمهر المتحدثين في العالم» يتحدث إلى أطفال سريعي التأثر.

وقد تساءل عما يمكن أن يحدث إذا تحدث الرئيس حول الدفاع عن قانون الزواج، وماذا سوف يحدث إذا «رجع الأطفال إلى البيت وقالوا لوالدتهم ووالدهم إن الرئيس الذي يحبونه ويتفقون معه يقول لهم إن الزواج ليس بالضرورة بين رجل وامرأة».

ولكن إذا بدا مثلا هؤلاء الجمهوريون مجانين، وبدت سهولة خداع اليساريين، فإن الرئيس يبدو كما لو كان قعيدا أيضا، لأنه ترك المجانين والقبيحين يوجهون التهم طوال الصيف. وقد كان على لورا بوش أن تذهب لإنقاذ أوباما وإفهامه أنه لم يكن على دراية بغسيل الدماغ، فكان من الجيد أن يلهم الأطفال كرئيس.

ولم يكن أمر استنكار الأشياء الغبية التي يقولها الجمهوريون يحتاج إلى مجهود كبير من جانب الديمقراطيين، مع مساعدة السيدة الجمهورية الأولى السابقة.

وقد قال الرئيس للطلاب إن «النجاح صعب التحقيق، وليس من الضروري تحقيق النجاح عند القيام بأول محاولة». وعليه أن يطبق هذه الكلمات على نفسه، فبوسعه أن يعيش حياة أطول وأزهر إذا كان أقل حديثا وأكثر صرامة.

*خدمة «نيويورك تايمز»