شجاع أم حكيم؟

TT

أكثر القرارات في حياة الرجال تحتاج إلى أمرين: الحكمة والشجاعة. لكن ماذا إذا لم يكن لدينا الوقت للحكمة؟ ماذا إذا كانت الشجاعة (أو عكسها) هي الخيار الوحيد؟ ظل المتنبي ينادي بأن الرأي قبل شجاعة الشجعان وفي اللحظة الحاسمة خذله الرأي وأودت به الشجاعة. وقتل ألكسندر بوشكين في مبارزة كانت الحكمة تقتضي ألا يقبل خوضها.

بعد كتاب أوباما «شجاعة الأمل» راح العالم يتذكر الرجال الذين لولا شجاعتهم، أو جرأتهم، أو إقدامهم، لكان عالمنا مختلفا قليلا أو كثيرا عما هو اليوم. لو لم يجرؤ عالم سوفياتي على إرسال رجل إلى مدار الفضاء لما عرفنا شيئا عما يحيط بكوكبنا. ولولا صعود يوري غاغارين إلى الفضاء لما أعلن جون كينيدي أن بلاده سوف تطلب القمر. كان يخطر لي دائما أنه لو لم يقرر غاندي مواجهة مفتش القطار في جنوب أفريقيا، عندما منعه من الجلوس مع البيض، لما بدأت ملحمة استقلال الهند. وفي أوائل الخمسينات قررت عاملة أفرو أميركية بسيطة أن تجلس في مقدم الباص وليس في آخره كما يفعل جميع السود كل يوم كل عقد. ومع روزا باركس بدأ التمييز العنصري في أميركا بالسقوط. ولولا شجاعة بوريس يلتسن في مواجهة الانقلاب الشيوعي العام 1991 لبقي السوفيات في الكرملين. يومها تراجع غورباتشوف في وجه الجنرالات الانقلابيين، فيما اعتلى يلتسن ظهر الدبابة متحديا. وفي النهاية أسقط الجنرالات وغورباتشوف معا.

هل كانت «حكمة» بيل غيتس أم شجاعته وراء تبرعه بإحدى أكبر ثروات العالم للعمل الخيري؟ وهل هي حكمة وارين بافت أن يتبرع معه بـ35 مليار دولار ويكلفه إدارة صندوق خيري مشترك؟ لكن الناس نسيت أن آرثر كارنيغي تبرع بكل أمواله في القرن التاسع عشر (350 مليون دولار) «لردم الهوة بين الفقراء والأغنياء وإحلال السلام في العالم».

كيف نفسر الجرأة؟ هل كان هاري ترومان شجاعا عندما أمر بقصف هيروشيما بالقنبلة النووية؟ أم كان حكيما بعد نهاية الحرب عندما رفض مقترحات وزرائه بتحويل ألمانيا إلى دولة زراعية وعدم السماح لها بالقيام كدولة صناعية أخرى؟ هل كان حكيما أم شجاعا، عندما اتفق مع وزير خارجيته، جورج كاليت مارشال، على مساعدة أوروبا والحؤول دون موت الألمان جوعا وبردا؟ أم أن الجنرال مارشال كان شجاعا عندما كان رئيس الأركان للقوات الأميركية في أوروبا يحقق الانتصارات خلال الحرب؟ لست أدري.