شوارعنا: شارع الصراط!

TT

الصراط الذي ليس مستقيما. فإن كنت تعرف القاهرة، فشارعنا يبدأ من مبنى الإذاعة القديم عبورا لشارع الشواربي الذي به جريدة «الأساس»، وهى المحطة الأولى في حياتي الصحفية. ومرورا بشارع سليمان باشا متقاطعا مع شارع 26 يوليو ثم شارع الصحافة، حيث دار أخبار اليوم ودار الأهرام..

وكل حياتي الصحفية تجري وتلهث في هذا الشارع.. وإذا تعبنا وقفنا أمام محل البن البرازيلي. ونقف بالساعات صباحا ومساء. فليس في هذا المحل مقعد واحد. ولكننا نقف كأنها محطة قطار أو مطار. هنا يلتقي الصحفيون في الإذاعة ووكالات الأنباء كل يوم صباحا ومساء. اعتدت على رائحة البن.. ومن رائحة البن نتنفس أفكارا وقصصا ومسرحيات وكتبا، وفيها تفوح رائحة البن بلا سكر..

كل يوم أقف فيتوافد الزملاء. وفى دقائق نعرف أخبار الدنيا كما جاءت في وكالات الأنباء. ويجيء ماسح الأحذية الذي يجلس تحت وعيناه وأذناه فوق يسمع ويرى.. وعنده هو الأخر الجانب الآخر من المعلومات.. من جاء قبلنا وبعدنا، وماذا قالوا، ولماذا تعالت أصواتهم، ولأي سبب تردد اسمي عاليا أو هامسا..

وكيف انتقلت من جريدة «الأساس» إلى «روز اليوسف» إلى «الأهرام» ومن «الأهرام» إلى «أخبار اليوم» رئيسا لتحرير مجلات «الجيل» و«هي» و«آخر ساعة».. ثم مجلة «أكتوبر» و«وادي النيل» و«مايو» والعودة إلى «الأهرام» بعد 26 عاما.. وإلى الوقوف أمام البن البرازيلي..

الدنيا تغيرت ونحن تغيرنا.. فقدت الدنيا ألوانها وألواننا أيضا.. كبرت الدنيا وكبرنا وأغلقت الدائرة علينا: لا خروج ولا دخول وإنما انتظار الطائرة أو القاطرة التي يركبها عزرائيل ـ نهاية كل حي!