أنا آسف

TT

أعجبني ذلك الرجل الأردني الذي أغضب زوجته فانتظرها أمام المبنى الذي تعمل فيه، وهو يحمل لوحة اعتذار مساحتها أربعين مترا مربعا، مصحوبة بمعزوفة موسيقية لتقبل اعتذاره. وأنا أرى أن تلك السيدة محظوظة لأنها نعمت بزوج خال من الشوائب، فلا يرى في الاعتذار إنقاصا لرجولته، وكرامته، وكبريائه، ولديه الاستعداد لإعلان اعتذاره بـ«الخط العريض»، فجل خلافاتنا العربية لها عنوان واحد هو «الجهل بفن الاعتذار»، يشترك في هذا الجهل الرجال والنساء بنسب غير متساوية، فالرجل ـ لأخطاء تربوية ـ عصي الاعتذار.

والشخص الذي لا يتقن فن الاعتذار أشبه بقائد مركبة متهور يقود مركبته على الأرصفة بدلا من الطريق العام، وأشقى الناس في تقديري هم أولئك الذين يعتقدون دائما أنهم على صواب، فالإفراط في مثل هذه اليقينية الزائفة يوسم الفرد بالأنانية، والبلادة، والجفاء.

والاعتذار من سمات الشخصية السوية التي تتمتع بقدر كبير من الصحة النفسية، عكس الشخص الذي يحشد الأعذار ليتجنب الاعتذار، فإذا كان من المستحيل على الفرد أن لا يخطئ، فمن غير المقبول أن لا يتعلم الإنسان فن الاعتذار، فالعبارة السحرية «أنا آسف» يمكن أن تفتح أبوابا موصدة، وتوقظ مشاعر داهمها الجفاف أو أوشك لتورق بالمحبة من جديد.

«أنا آسف»، عبارة تشكل مفاتيح الوصول إلى كنز الراحة النفسية، فلها مفعولها في إطفاء حرائق الغضب، وتهدئة زوابع النفوس، عبارة سحرية تجعل الحياة أجمل وأعذب وأنقى، فقل «أنا آسف» الآن، وراقب أي شعور جميل سيغمر دواخلك بالفرح، قلها وتوقف عن الشكوى من غدر الآخرين، فالآخرون ربما يشكون أيضا من عدم وفائك، وسلسلة الاتهامات تطالني، وتطالك، وتطال الآخرين، فكلنا يا صديقي أمام المرآة أبرياء، والآخرون وحدهم خارج المرآة يقبعون في قفص الاتهام.

وإذا كان فن الاعتذار لازما في كل الأوقات، فهو في العيد ـ موسم المحبة والعفو والتسامح ـ أكثر وجوبا لتقريب المسافة بين الإنسان والآخرين، ففي العيد عليك أن تفتش في خارطة التواصل لترميم جسورك المتهدمة مع الآخرين.

وكل الذي تحتاج أن تقوله: «أنا آسف».

[email protected]