بين الثاء والقاف: مصيبة!

TT

في ساعة مبكرة طلبني الرئيس السادات، وقال لي: مصيبة على الصبح..

وكنت قد أجريت حديثا مع الرئيس السادات، وأنفرد به عادة لتنشره مجلة «أكتوبر» الصادرة حديثا، وكان هذا الحديث ينشر في كل الصحف اليومية ووكالات الأنباء، لكي نلفت القراء إلى صدور مجلة جديدة.

والمصيبة جاءت من غلطة مطبعية معقولة. فجاء على لسان السادات: أن إسرائيل يجب أن تزيل المستوطنات في سيناء. وبالذات قرية ياميت.. يجب أن يحرثوها..

وبدلا من كلمة «يحرثوها» ظهرت في صحيفة الأهرام «يحرقوها»..

وجن جنون السيد مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل. كيف يحرقونها؟! والحريق يذكر اليهود بمحرقة هتلر.. مع أن من المعقول أن نطالب بإحراق المستوطنة وما عليها.. ولكن عقدة الحريق والإحراق والمحرقة متسلطة في الفكر اليهودي وصححت الغلطة وبصورة بارزة في مجلة «أكتوبر»..

وسكت بيجين..

ونحن في كلامنا العادي نستخدم كلمة يحرق بإسراف شديد. ولا نقصد من هذه الكلمة أي معنى للحريق..

ووقع وزير الثقافة المصري فاروق حسني في هذه المصيدة. وقال إنه لو وجد كتبا يهودية في معرض الكتاب فسوف يقطعها ويحرقها. وعادة، لا هو، ولا نحن نقصد إحراق الكتب أو مؤلفيها بالمعنى الحرفي. ولكن بالنسبة لليهود من الصعب إقناعهم بأننا لا نقصد ذلك. فهتلر أعلن أنه لم يحرق ولن يحرق اليهود وأحرقهم، وكان على استعداد أن يمضي في إحراقهم والقضاء عليهم..

وحاول فاروق حسني أن يعتذر عن هذه الغلطة غير المقصودة. ولكن كانت قد انتشرت في ثلاثين لغة. ووضعوا فاروق حسني في خانة: عدو السامية الذي يلوح بالحرق والإحراق والمحرقة!!

وعندما حاول فاروق حسني أن يصحح هذه الغلطة كانت قد استقرت. فالإصلاح أو الاعتذار جاء متأخرا..

وقد سألت من يعرفون أكثر هنا وفي إسرائيل فمدوا شفاههم وهزوا رؤوسهم وأكتافهم بأنه قضي الأمر!