عندما يتبخر المال الطاهر!

TT

في بلد الغرائب وصندوق العجائب المسمى لبنان كان الحديث الصادر على لسان أقطاب فريق المقاومة عن المال الطاهر يتردد ويتردد صداه على المنابر ومن وراء شاشات التلفاز مفرقين بين الطاهر الذي هو بحوزة المقاومة والمال غير الطاهر وهو الذي لدى الأطراف الأخرى. واليوم مع الإعلان عن تداعيات «إفلاس» رجل الأعمال اللبناني المثير للجدل «صلاح عز الدين» الذي كان قناة الاستثمار الرئيسية لأموال حزب الله وأهم قياداته، تأخذ مسألة المال الطاهر هذه بعدا دراميا مثيرا يستحق المتابعة. صلاح عز الدين شخصية غامضة لا توجد معلومات كثيرة ولا دقيقة عنه، ولا توجد سوى صورة واحدة فقط معروفة له، حضوره الاجتماعي محدود للغاية. بدأ نشاطه التجاري منذ سنوات الثمانينات بإدارته لمجموعة سفريات ناجحة، وبعدها توسع نشاطه بشكل ملحوظ، ومن ثم قدم له 2000 مستثمر شيعي أموالهم بعد أن تعهد إليهم بتحقيق عوائد مجزية، ووقتها كان الظهور لحزب الله، إذ أودع في حساباته مئات الملايين من الدولارات ولحقتها أموال شخصية من قادة الحزب نفسه، كل ذلك بحسب تقارير عربية ولبنانية وغربية متنوعة.

كل ذلك والمستثمرون كانت لديهم قناعات بأن قنوات الاستثمار هي في مجالات واعدة مثل الغاز والنفط، ولكن الأخبار سرعان ما تبدلت حينما تسربت معلومات بأن صلاح عز الدين قام بتحويل مبالغ كبيرة من الإيداعات إلى حساباته الخاصة، وتشير تقارير إلى أن غضب المسؤولين في حزب الله زاد جدا بعد أن علموا أن «إيداعات» بعض المسؤولين كانت لأموال مصادرها مريبة وهناك قلق لديهم كبير بأن التحقيقات التي قد تفتح مع عز الدين قد تفيد بأن مصادر المداخيل الاستثمارية كانت في الكثير من الأحيان من تلك المصادر المريبة. غير واضح ولا معروف للآن أسباب السقوط المدوي لإمبراطورية عز الدين المالية الغامضة. هناك رواية «بريئة» تربط بين الضغوط والحصار الأميركي على منابع التمويل لحزب الله وأن السقوط كان نتيجة الوضع المتفاقم والمضطرب، وهناك رواية تتحدث عن أن عز الدين تكبد خسائر فادحة جدا في صفقة سلاح كانت موجهة لإيران ساهم في تمويلها وأن هذه الصفقة كانت في سفينة تعرضت للاختطاف فاضطر هو للقيام بالسداد، وهناك الرواية الثالثة وهي تعتمد على أن حزب الله يعاني من نقص شديد في التمويل من إيران وكان يتوقع ضربة من إسرائيل فاضطر لسحب الأموال من عز الدين لتغطية احتياجاته وكان على علم مسبق بالهزة التي يعاني منها عز الدين وبدأت بوادرها في الظهور وكان على الحزب التنصل التام من العلاقة بعز الدين فقام بتسليمه للقضاء اللبناني والقيام برفع دعوى عليه عن طريق النائب من حزب الله حسين الحاج حسن! كل ذلك لأجل ألا تهتز صورة الحزب أمام القاعدة الشعبية له في لبنان.

حسن نصر الله كانت تربطه علاقات شخصية قوية مع صلاح عز الدين، وفي أكثر من مناسبة كان يزكيه ويدعمه إلى درجة أن إحدى شركات عز الدين وهي «دار الهادي للطباعة والنشر» اسمها على اسم ابن حسن نصر الله «هادي»، وقامت هذه الدار بطباعة ديوان أشعار للابن الثاني لحسن نصر الله. أسئلة شائكة ومعقدة بحاجة لأن يتم الكشف عنها والإجابة عنها لمعرفة أين ذهبت أموال الناس وكيف تمول هذه «الآلة» الغامضة في حضور الدولة والقانون. شخصيا لا أعتقد أن التحقيقات ستكشف لنا أي شيء، فهذه جريمة جديدة ستضاف إلى عشرات الجرائم التي تمضي بلا عقاب في بلد كلبنان.

[email protected]