بري كان ورقة التوت

TT

ميزة ما يحدث في لبنان اليوم بعد إعادة تكليف سعد الحريري مرة ثانية لتشكيل الحكومة اللبنانية، أن اللعب في بيروت قد أصبح على المكشوف، وقد يقول قائل كيف؟ فبعد اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة نتيجة العنت الذي وجده من المعارضة، في لعبة توزيع أدوار واضحة، امتنعت المعارضة اللبنانية جميعها عن تسمية الحريري مرة أخرى، وهذا الامتناع هو الذي كشف كل الأوراق.

امتناع المعارضة مجتمعة عن تسمية الحريري، وتحديدا امتناع نبيه بري، كشف عن فرز طائفي واضح في لبنان، حيث بات هناك فريق شيعي، وآخر سني، إذ أن بري كان بمثابة ورقة التوت التي كشفت البعد الطائفي، فطوال السبعين يوما التشاورية كان بري يبشر بأن تشكيل الحكومة قادم، وأن حقائب المسافر قد وصلت للمطار، وكان ذاك بمثابة الغطاء على سعي حثيث لإضعاف قيمة المركز السني، والمتمثل في منصب رئيس الوزراء.

فبعد التكليف الثاني ترك بري منطقة الوسط وبات واضحا أنه اصطف مع حزب الله والأجندة الشيعية هناك. وقد يقول البعض وماذا عن الجنرال عون؟ الواضح أن الجنرال ما هو إلا جندي في لوحة الشطرنج حيث تحركه المعارضة، ومن يقف خلفها، كيفما تشاء.

فالمشهد اللبناني يقول إن القوة «المسلحة» هي للشيعة، حيث بوسعهم احتلال بيروت، ولبنان كله، في أقل من يوم، وهذا ما حدث تماما في انقلاب السابع من أيار الذي احتل فيه حزب الله بيروت، فالسلاح بيدهم، ويتفوقون به على الجميع، حتى الدولة، بينما السنة إما تجار، أو مثقفون ومشغولون بالفكر، لا السلاح والميليشيا. أما بالنسبة للمسيحيين فإن المعارضة ترى، وهذا ما يقال خلف الأبواب المغلقة، أنهم إما أتباع للغرب، أو أن لهم علاقة بإسرائيل، وكل الفائدة المرجوة منهم هي استغلال عون.

فالمعارضة اللبنانية ترى أن قوتها الحقيقية مستمدة من إيران، وليس سورية، بل إن دمشق تسايرهم، ولا تخالفهم، نظرا لأنهم القوة الحقيقية على الأرض، فالمعارضة اللبنانية، وتحديدا حزب الله لا تثق في دمشق، ويكفي التذكير باغتيال العقل العسكري لحزب الله عماد مغنية في العاصمة السورية، كما أن قيادات كبيرة في حزب الله سبق لها أن قالت لشخصيات عربية إن الحزب سبق له أن اكتوى بنار السوريين، وهو يجاريهم تفاديا لأي مشاكل أو صراع، وهذا أمر كان قبل أربع سنوات، لكن ومنذ انقلاب بيروت فقد بلغ الغرور حده لدى حسن نصر الله وأتباعه بلبنان، فحينما استخدم تيار المستقبل شعار «ما ننسى والسما زرقا» رد نصر الله متهكما «ياخي مابدنا إياكم تنسوا»!

كل ذلك يشي بالخطر من طائفية لن تبقي ولن تذر في لبنان، لكن على الجانب الآخر قد يكون هذا أمرا ايجابيا، فالفرز قد يساعد اللبنانيين على فهم حقيقة ما يجري، وعلى استيعاب حجم الخطر الذي يحيق ببلادهم، كما أن هذا الفرز وإن كان مؤشرا على الغرور، فإنه مؤشر على الضعف أيضا، خصوصا مع أوضاع المنطقة، وتحديدا الملف الإيراني، سواء داخليا أو خارجيا.

[email protected]