هكذا قفز المالكي بلا مظلة!

TT

قيادة بلد مثل العراق تتطلب قبل كل شيء قراءة تاريخه جيدا، ومعرفة خصال شعبه، ومصالحه الاستراتيجية ومصالح الدول الإقليمية فيه ومطامع آخرين. وشعب عاش مرارة السنوات السبع الأخيرة، وقبلها، لا يمكن أن يكون سطحيا ويتأثر بطروحات تدغدغ مشاعر البسطاء والمغفلين. ولم يعد متاحا لأحد ليكون بديلا لحزب البعث من حيث السيطرة الجماهيرية على الشارع. وحتى البعث نفسه لم يعد قادرا على تحقيق ما تحقق له بعد أن تحقق عليه ما تحقق.

وتوهم المالكي وجناحه في حزب الدعوة، الذي لا يمتلك إلا عددا قليلا جدا من الشخصيات المعروفة، بالسيطرة انتخابيا على مستويين، الأول ضمن دائرة مذهبية، والثاني مجال التوسع إلى دائرة آخرين. وتدل المؤشرات على فشل في الدائرتين.

على المستوى المذهبي، توجد شخصيات وتكتلات قوية ومؤثرة لم يكن المالكي يمثل مركز ثقل مقارنة بها، مع وجود العديد من الأشخاص المهمين المطروحة أسماؤهم ليشغلوا رئاسة الوزراء. وهناك من لم يُطرح اسمه حتى الآن، لشغل هذا المنصب، ممن كانوا أبرز كثيرا من المالكي في مرحلة المعارضة للنظام السابق، ولا أتذكر ظهوره مرة واحدة في اجتماع للمعارضة أو في مقابلة تلفزيونية، ولم يكن محسوبا ضمن الخط المتقدم. لكن، هكذا هي المفاجآت.

في الدائرة الأخرى، فإن ضباط الجيش والأجهزة الخاصة وعموم البعثيين السابقين، غاضبون من مواقفه وتصرفاته المخالفة لادعاءاته في المصالحة. وكذلك دوره السلبي في عدم تصديه، كما ينبغي، لفرق الموت التي عملت على إفراغ بغداد من أهلها. ووصل الأمر إلى أن أحد قياديي حزبه تحدث عما سماه توازن الرعب!

حتى إذا ما تمكن من استقطاب عدد من السياسيين قليلي الخبرة إلى جانبه فستكون حظوظه وإياهم ضعيفة. أما السياسيون الواعون فليسوا مستعدين للتحالف معه، من دون الحصول على العدد المناسب من مقاعد البرلمان بطريقة متوازنة لا تخدم مصالحه الخاصة. كما أن السياسيين الجدد، خصوصا من شباب تنقصهم الخبرة، لا يستطيعون في النهاية تحمل تبعات قرار يتطلب التفكير فيه ألف مرة ومرة.

وإذا أخذت المقاييس على أساس المنجزات الحكومية خلال السنوات الأربع الأخيرة، فقد كان التخبط، والفشل الاقتصادي، والتمييز الطائفي، وسياسة الانتقام، والضعف تجاه إيران، والعزلة العربية، صفات لفترة حكمه. ولا يزال النقص في الكهرباء كبيرا جدا، بينما تمكن نظام صدام من إعادتها بمستويات عالية خلال ثلاثة أشهر. ولم يشهد العراق فسادا، في كل شيء، كالذي شهده خلال الحكومة الحالية.

ولم يشهد العراق تبعية لأحد مثلما هو واقع تحت الهيمنة الإيرانية. وإلا هل يعقل أن يكون طاقم طائرة المالكي الخاصة إيرانيا؟ ولا أدري إن كان تخلص من ذلك أم لا؟ وقصة قطع حُكّام إيران للمياه عن العراق واضحة، سببت أضرارا فادحة في وسط وجنوب العراق، وفي جفاف أهوار عراقية. وفيما ألقى باللائمة على الطبيعة، تجري في بغداد محاكمة عدد كبير من مسؤولين وقادة عراقيين سابقين بتهمة تجفيف الأهوار. بالضبط كما حصل في توجهات التصعيد ضد سورية، وسكت عما قامت به فرق الموت الإيرانية، فكافأ سيدها باقتحام معسكر اللاجئين الإيرانيين في أشرف، المنطقة المعزولة والمطوقة أصلا.

وفي مجال الأمن، ليس للمالكي فضل في ما تحقق. وعلى العكس، كان سلوكه تجاه الصحوات سلبيا، إلى أن فُرضت عليه، ولولا الصحوات وقوات الضربة الأميركية الأخيرة المؤلفة من نحو ثلاثين ألف مقاتل لما تمكن المالكي ولا غيره من حلحلة الأمن خطوة واحدة إلى الأمام، وما كان القتال ضد الصدريين ليحصل لولا ظروف قاهرة وحسابات حزبية.

إن إلحاح الائتلاف الوطني على المالكي للالتحاق به لا يغير من المعادلة كثيرا، فإن التحق خسر رئاسة الوزراء قطعا، وإن رفض خسرها. فالخسارة نصيبه، إلا إذا حصل ما يتعدى الحسابات المنطقية. وكل ما يخالف المنطق يترك مضاعفات تزيد العراق أعباءً.

ولم يعمل المالكي جديا من أجل المصالحة، وقد نقل لي أحد أعضاء البرلمان من جبهة التوافق ممن كانوا حاضرين جلسات الاتفاق على تشكيل الحكومة (الحالية) أن المالكي قال لهم: «نحن في بغداد 85% ونسيطر على الأمن بنسبة 85% فإن قبلتم، قبلتم، وإن لم تقبلوا فسوف نتولى الأمر بأنفسنا»!

يقال إن أكثر من ثلاثين مستشارا يعملون مع المالكي غالبيتهم العظمى من حزبه أو من طائفته، وقيل إنهم كانوا أكثر من هذا العدد بكثير، وبالفعل لم يضطلع مستشار واحد من شرائح عراقية وأحزاب أخرى بدور مهم، والموجود من غير (جماعته) قد عُين لذر الرماد في العيون. أفلا ينصحه مستشاروه؟

إنه بسياسته أشبه ما يكون بمن يقفز جوا بلا مظلة. مع ذلك، يريد من الدول العربية الانفتاح عليه!