حيث الغابة أرقى من المدينة

TT

هناك بلد على هذه الأرض يدعى الكونغو. سمعت به للمرة الأولى وأنا أبدأ الصحافة في القسم الدولي. وكنا كل يوم، دون انقطاع، نتلقى أخباره على وكالات الأنباء: الكونغو يستقل عن بلجيكا. الكونغو يبقر بطون البلجيكيين وهو يودعهم. الكونغو يغتصب الراهبات. الكونغو يغتصب الأمهات. الكونغو يقسم نفسه، بين عملاء شركة المعادن البلجيكية وبين الوطنيين. الكونغو يقتل الزعيم باتريس لومومبا، ساعي البريد السابق. الكونغو يتذابح. الكونغو يعين رئيسا عليه الرقيب السابق جوزف موبوتو الذي جعل نفسه مارشالا ومعه عصاه، من العاج.

وبقيت حروب الكونغو على ما هي، لكن أحدا لم يعد يقرأ عنها. لقد أصبحت رتيبة ومتوقعة وبليدة مثل سياسات لبنان. وتركت الأمم المتحدة الكونغو لعصابات الذهب ونهابي المناجم.. وللفقر والموت والقتل. وصار رجال الشرطة بلا رواتب حكومية فضربوا الناس لتحصيل معيشتهم. وأصبح المعلمون بلا رواتب فطفقوا يستعطون في الشوارع. ولم يعد ذلك موضوع أخبار تنقلها الوكالات بل يحملها الموفدون الصحافيون من حين إلى آخر. أكثر ما «ميز» أحداث الكونغو وشرعة الغاب التي لا نهاية لها، «ثقافة» الاغتصاب. استخدمه المستعمرون البلجيك لإرعاب الناس، واستعمله الاستقلاليون ويزداد انتشارا وفظاعة ووحشية ووضاعة على نحو لا مثيل له في التاريخ.

الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، آدم هوستشايلد، ذهب إلى شرق الكونغو حيث غمر البركان 10 آلاف منزل قبل 7 سنوات، ليجد أن هناك ما هو أسوأ وألعن من جنون البراكين. ذهب إلى «بيت الإصغاء» الذي تديره ربيكا كاماتي، 42 عاما. إنه مركز لاستقبال النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب من قبل المسلحين الشاردين. استقبل البيت منذ إقامته 5.973 حالة. تراوحت أعمار الضحايا بين عامين و62 عاما.

أسست كاماتي هذا البيت لأنها وقعت ضحية اغتصاب: «كان المغتصبون من ميليشيا محلية تدعمها أوغندا. كان هدفهم في الأساس قتل زوجي. نهبوا كل شيء. قطعوه كما يفعل اللحامون بالغنم، بالسكاكين. كان حيا. بدأوا بقطع أصابعه. ثم قطعوا ذكره. بقروا أمعاءه وسحبوا مصارينه. وعندما طعنوا قلبه مات. ثم أمروني أن أجمع كل أعضائه وأن أستلقي فوقها وتناوبوا علي الاغتصاب. كانوا 12 جنديا. فقدت وعيي. وعندما استعدته سمعت صراخا في الغرفة المجاورة وعرفت أنهم يغتصبون ابنتي».

باقي تقرير الأستاذ في كاليفورنيا يصعب نشره. وأنا لا أدري لماذا قرأت شيئا كهذا ولا لماذا أنقله إليكم. اللعنة على الكونغو، مستعمرا ومستقلا ومحررا. اللعنة على عالم غاباته أكثر رأفة من مدنه.