يوم فقدت حسي!

TT

كان منصور باشا فهمي يدرس لي (علم الجمال) أو الإسطاطيقا عند العرب. وترجمتها عن اليونانية القديمة هي: علم الحسن. فما هي العلاقة بين الحس والحسن.. بحث ـ هكذا قال لي منصور باشا فهمي ـ وبحثت..

ووجدت أننا في اللغة العامية نقول فلان حسه جميل ـ أي صوته ونقول: الحس معناه كل الحواس.. والحسن معناه أن نحس الجمال وندرك ما فيه من حس..

والحس الذي هو الصوت يعبر عن كل شيء.. عن السعادة والألم واليأس والخوف والشجاعة.. واستحسان كل شيء. وهذا كله يظهر على الصوت. أي علينا عندما نتكلم ونعبر بالحس عن الحس أي بالصوت عن كل الأحاسيس والرجولة والأنوثة..

وكنا نقول: إن حس طه حسين عندما يحاضر كأنه يغني أو يتغنى.. وصوت العقاد كأنه يطلق الرصاص على أحد.. وصوت توفيق الحكيم كأنه يوشك أن يقع.. ولذلك فطه حسين يعيد ويزيد كأنه مطرب.. والعقاد يتكلم وعليك أن تلاحقه.. ولا يهمه أن تفعل ذلك.. فهو قد قال ما أراد.. أما توفيق الحكيم فهو يتخبط ويتلعثم ويجعلك تندم على أنك طلبت إليه ذلك.. ولم يظهر الحكيم في التليفزيون إلا مرة واحدة..

وكنت زمان.. زمان إذا تنفست فالطرف الآخر يعرف من الذي سوف يتكلم .. أما الآن فإذا تكلمت فلا بد أن أقول أنا فلان.. والطرف الآخر يقول دائما: مع الأسف إنه التليفون لم يعد واضحا وإن الصوت متقطع..

والحقيقة أنني كنت قد فقدت صوتي لفترة أسابيع من سنوات لأسباب صحية طارئة.. وأيامها لم أعد قادرا على أن أستخدم أي حس من الحواس للتعبير.. فقد ضاع حسي ومن ورائه ضاعت حواسي.. وأيامها كنت أتكلم وعليك أن تجتهد لتعرف إن كنت جادا أو هازلا.. لقد فقدت حسي ـ بمعنى صوتي وكل الحواس الأخرى..

كنت أصعب عليك وأنا صعبان على نفسي وعلى حسي!