عود لحنان الوالدين

TT

ما كنت أتصور لمقالتي «حنان الوالدين» أن يكون لها مثل هذا الصدى بين القراء. وهو إن دل على شيء فعلى مدى تعلقنا بهذه العلاقة المقدسة. هزني مما قرأت وسمعت رسالة الأخ سلمان بن راشد من المملكة العربية السعودية. يسألني فيها عما أشير إليه. فهو بدون أبناء أو بنات. يقول إذن فلمن أوجه حبي؟

حكايتك يا أخي سلمان مر بمثلها شقيقي مؤيد رحمه الله. كان مهووسا بحب الأولاد و لكن الأقدار شاءت أن تطعنه في أعز زاوية من قلبه عندما اكتشف أن امرأته كانت امرأة عاقرا. طاف بها كل مراكز الطب في العراق وأوروبا وفشلت كل مساعيه. فكر في الأخير بتطليقها والزواج بامرأة أخرى تعطيه ولدا. ما إن نطق بذلك حتى ثرنا جميعا عليه: كيف تطلق ابنة عمك وتذلها أمام الناس؟ سلم أمره لله وقضى حياته معها بدون ولد. وهو ما ينبغي أن يفعله كل رجل نبيل. ولكنه حل مشكلته بأن حول حبه لأولاد إخوته وأخواته. كان يشعر بسعادة حقيقية كلما لاعبهم وأغدق عليهم بهداياه وعواطفه. وهذا واحد من الحلول لمن حرمه الله من الأولاد.

حاول أن يتبنى إحداهن ولكن التبني غير شائع بيننا. وهذا نقص في حياتنا الاجتماعية. إنه شائع بين العقّار والعزاب في أوروبا ولكنه نادر عندنا. العالم العربي مليء الآن بالأيتام والأطفال المدقعين واللاشرعيين بسبب كل هذه الحروب وعمليات الإرهاب والاغتصاب. هناك ألوف منهم يشحذون في شوارع بغداد والبصرة. فقد بعضهم كل أسرتهم ولم يبق أي أحد يرعاهم. يصدق ذلك أيضا على الكثير من أبناء فلسطين الذين فقدوا أهلهم في عمليات فدائية أو من جراء القصف الإسرائيلي. وكذا هو الأمر في السودان. مثل هؤلاء الأطفال موجودون حتى في أغنى الدول. أعتقد أن تبني طفل من هؤلاء الأطفال المنكوبين فيه أجر عظيم من الله تعالى وواجب وطني. وفضلا عن ذلك، أنه يعطي خير تعويض للمحروم من الأولاد وأنظف حل لمشكلة اجتماعية ووطنية تهم الجميع. أستطيع أن أؤكد لك يا أخي سلمان بن راشد، وأتكلم عن معرفة هنا، إن إنقاذ مثل هذا اليتيم المحروم ورعايته وإغراقه بما حرم منه من محبة وحنان سيعطيك خير بديل يملأ ما قد تعانيه من فراغ. لن يمر عام أو عامان حتى تشعر وكأنه ابنك من صلبك حقا فتقلق عليه قلقي على ولدي آدم. ولا يشب هذا الولد ويبلغ رشده حتى يشعر بمدى فضلك عليه فيتعلق بك بما لا يظهره الكثيرون من أبناء هذا الزمان حيال والديهم الحقيقيين. تذكر في آخر المطاف أن نبينا صلى الله عليه و سلم، كان واحدا من أمثال هؤلاء الأيتام، ولو في ظروف مختلفة.

بيد أن للموضوع مصاعبه السياسية والقانونية. وأعتقد أن هناك ضرورة لجمعية خيرية تتولى حل هذه المصاعب، بحيث يكون من السهل تبني هؤلاء الأطفال التعساء وتطبيع وضعهم القانوني ونقلهم من بلد إلى بلد ومن جنسية إلى جنسية. أليس من العيب أن نسمع عن يتيم عراقي تتبناه عائلة إنجليزية بدلا من عائلة مسلمة؟