العرب ومصيدة المستوطنات

TT

امتنعت عن التعليق حول شرط منع بناء المستوطنات خلال الأشهر الماضية على أمل أن أكون مخطئا، ويظفر الجانب الفلسطيني بالتزام يمنع البناء المخالف صراحة للقانون الدولي، والذي يمثل حقا العقبة الحقيقية في وجه أي سلام ممكن.

رأيي، كان ولا يزال، أن مباشرة التفاوض تستحق تجاوز كل الشروط والتحفظات، بما فيها قضية هامة مثل المستوطنات. الدليل أننا ضيعنا كل هذه الأشهر الثمينة على أمل إقناع الوسيط الأميركي أن يضغط على الجانب الإسرائيلي فيلتزم بإيقاف بناء المستوطنات. أخيرا وصلنا إلى الفصل الأخير من المطالبات العربية والمماطلات الإسرائيلية، واستحق الأمر اتخاذ قرار حاسم، المفاوضات أم لا، بغض النظر عن ما نتمناه.

لنتذكر جيدا أن إسرائيل في عهد بنيامين نتنياهو لا تريد نفس السلام الذي يتطلع إليه محمود عباس أو الرئيس الأميركي باراك أوباما أو حتى إيهود باراك أو إسحق رابين من قبل. وفي سبيل ذلك أمام نتنياهو خياران؛ إما الانخراط في مفاوضات تضطره إلى تقديم تنازلات خطيرة مثل قيام دولة فلسطينية مستقلة على الضفة وغزة، أو أن يماطل على أمل أن يستفيد من لعبة الوقت. الرجل فعل الثانية. هذا التصور للتكتيك النتنياهوي ليس سرا بل يقال في العلن. لهذا أعتقد أن إصرار الجانب العربي، الفلسطيني تحديدا، على وقف المستوطنات قبل بدء المفاوضات خدم أيضا الحكومة الإسرائيلية، ضيعت أربعة أشهر حتى أوصلتنا إلى الربع الأخير من العام الأول للرئيس الأميركي.

قدرات الرئيس الأميركي مرهونة بالوقت، مثل ساعة رملية، يخسر زخمه كل يوم ينتهي من ولايته، وهو الآن تحت ضغوط محلية متعددة تجعل قدرته على تبني مشروع كبير مثل تأييد إقامة دولة فلسطينية تضعف. وأوباما أضعف اليوم عما كان عليه في مطلع الصيف، وإن كان الأمل كبيرا أن يحقق انتصارين، داخليا لو تحسن الاقتصاد المحلي، وخارجيا لو انتصر في معركته في أفغانستان. أمنيتان يصعب المراهنة عليهما. وبغض النظر عن ظروف الوسيط الأميركي فإن المهم أن نتذكر دائما الحقائق الأساسية بدل أن ننشغل في الخلافات الفرعية. الحقيقة الأولى أن إسرائيل هي التي تحتل الأراضي الفلسطينية، ولن تكون هناك دولة واستقلال فلسطيني بدون موافقتها. والحقيقة الثانية أن رفض التفاوض يمد في عمر الاحتلال، والتاريخ وراءنا يثبت ذلك، ولو أن الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يفاوض أوسلو لدفن في تونس. والحقيقة الثالثة أن الامتناع عن التفاوض لن يوقف الاستيطان بل سيسرع فيه، وبالتالي من المنطق أن نشكك في الحكمة من وراء وضع شرط رغم وجاهته وقانونيته وأهميته، لأن الهدف الأساسي هو إقامة الدولة الفلسطينية وليس منع الاستيطان الذي لن يتوقف بالامتناع عن التفاوض بل سيزداد مع تأخير التوصل إلى حل الدولتين. بدون تركيز في التوصل إلى الحل النهائي والإصرار عليه ودفع كل الأطراف العربية والأميركية، وكذلك الإسرائيلية وغيرها من الأطراف المساهمة نحو حل عادل سريع، فإن الحكومة الإسرائيلية ستكسب، لهذا هي اليوم تؤجله أو تماطل في تنفيذه.

أما المستوطنات فإن وجودها، وليس بناءها فقط، أمر غير شرعي، ومرفوض، ويفترض أن يكون قضية منفصلة تنقل معركتها إلى مجلس الأمن بدل أن تكون كرة يلعب بها الإسرائيليون لتعطيل المفاوضات. ختاما.. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.

[email protected]