إنجاز الخير

TT

الخير له أوجه عديدة وطرق مختلفة، تتنافس من أجل الوصول إليه العديد من الجمعيات والمؤسسات والأفراد بصور متعددة، منها ما هو المتكرر والرتيب وآخر فيه التجديد الابتكار والإبداع. ولعل إحدى المبادرات اللافتة في مجال العمل الخيري في العالم العربي ما تقوم به جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي. ولقد قام راعي الجمعية الأمير الشاب عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز بجهد أكثر من مميز لرفع معدلات التوعية وتثقيف الناس في مسألة شائكة ومعقدة، وتحديدا أقصد موضوع التبرع بالأعضاء، فهو دخل إلى منطقة فقهية مثيرة للجدل وتتسم بتفاوت الآراء ما بين من يحرم مبدأ التبرع وآخرين من يحلل ويرى ضرورة ذلك.

التبرع بالأعضاء وتحديدا الكلى سيساهم في رفع معاناة مرضى الفشل الكلوي، وهو المرض الذي انتشر وبشدة نتيجة ازدياد الإصابة بمرض السكري بمعدلات غير مسبوقة، وأصبحت أعداد المصابين بمرض الفشل الكلوي بالمئات ينتشرون في شتى أنحاء المملكة العربية السعودية. والجمعية ترعى أكثر من مشروع قائم، وأخرى تحت التشييد لاستقبال حالات الفشل الكلوي، وتجهيز أحدث المعدات التقنية مع توفير الكوادر البشرية الطبية والتمريضية الضرورية لإدارة هذه المنشآت الحيوية. وقامت الجمعية أيضا ببرامج «ذكية» مع مشغلي خدمات الهاتف الجوال، وذلك باستحداث خدمة ورسالة الهاتف الجوال مقابل مبلغ بسيط يساوي 12 ريالا شهريا تذهب كتبرع يساهم في مصاريف خدمات مرضى الكلى بشتى أنواعها ومتطلباتها.

التحدي الذي يمثله رقم المصابين بالفشل الكلوي المتزايد هو جرس إنذار يتطلب جهدا جماعيا من كافة أطياف المجتمع، لأن «حجم» الإصابة مرشح للزيادة في ظل استمرار نفس نهج المعيشة وغياب التوعية وممارسة الرياضة والتدخين ونمط الأكل، وكل ذلك مرشح بأن يبقى كما هو. الجهد الحاصل الآن من قبل هذه الجمعية الواعدة والنشيطة هو جهد إيجابي ومهم، ولكن التحدي ضخم وهائل وبحاجة إلى تكاتف من مؤسسات وأجهزة المجتمع المختلفة. تكلفة رعاية مرضى الفشل الكلوي تعتبر من أعلى الأمراض تكلفة نظرا لحاجة المريض المستمرة للغسيل وأدويته، وأجهزة غسيل الكلى أجهزة معقدة جدا وبحاجة إلى صيانة دورية مستمرة مع عدم إغفال الأدوية والعقاقير المصاحبة الضرورية للعلاج المتكامل. ثقافة التبرع بالأعضاء لا تزال في أولى خطواتها وتواجه شكوكا وحتى محاربة في بعض الأحيان، ولكن المصلحة العامة وإحياء النفس يبقيان غايتين لا يمكن إنكار أهميتهما، وبالتالي لا بد من دعم الوصول إلى الأهداف التي تحقق ذلك. العمل الخيري الذي يراعي احتياجات المجتمع ويحقق أهدافا مهمة نجاحه يحسب للمجتمع ككل، ولعل الجهد المبذول حاليا لنشر ثقافة العناية بمرضى الفشل الكلوي يفتح الشهية ويجعل الحماس يدب في نفوس آخرين لتقديم ذات الجهد والمال والوقت لأصحاب احتياجات صحية أخرى. تجربة جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية ليست مجرد فكرة ناجحة، لكنها حالة امتياز تستحق التهنئة والثناء والتشجيع وأن تقلد من قبل الغير أيضا. الجمعيات الخيرية والنشاط الخيري بصورة عامة كان عرضة للكثير من الانتقادات والتوبيخ، ولذلك حينما يتم تسليط الضوء على تجربة ناجحة يعاد الأمل وبقوة في العمل الخيري السوي، وهذا بحد ذاته إنجاز يستحق التهنئة.

[email protected]