مسيرتنا من «الكتّاب» إلى «جامعة الملك عبد الله»

TT

يقول المؤرخون إن الرجل في بداية القرن الماضي كان يجول أسواق أهم المدن السعودية ليبحث عن شخص يقرأ له رسالة، فلا يعثر على هدفه إلا بعد تعب، فالأمية كانت تخيم على العقول، وتطبق على أنفاس الناس، الذين كانوا يحاولون ثقب جدار الأمية والجهل بعدد من الكتاتيب الصغيرة التي تعلم مبادئ القراءة والكتابة، وبعض حلقات العلم في الحرمين الشريفين والمساجد. ووحد الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ البلاد بعد ذلك، فكانت محاربة الجهل واحدة من أهم معاركه، فأنشا المدارس في المدن والقرى، وحمل أبناؤه الملوك من بعده شعلة التنوير، وواصلوا المسيرة، وغدا لكل ملك منهم منجزه الكبير في بناء المدارس والجامعات لتصل صروح العلم إلى أعالي الجبال والقرى النائية.

وأذكر حينما كنّا صغارا كنا نذهب من جدة إلى المدينة المنورة كانت «ثول» محطة صغيرة من محطات الطريق، يستريح المسافرون في مقاهيها ليتناولوا وجبتهم من السمك الطازج الذي يصطاده أهل ثول من شواطئهم القريبة، ولم يكن يدور بخلد أحد أن هذه المحطة الصغيرة ستكون ذات يوم على موعد مع التاريخ لتحتضن صرحا من أهم صروح العلم على المستوى العالمي.

وغدا ستعانق «ثول» التاريخ، وتصاحب المجد، وتزدهي بعرسها الكبير، وخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز يفتتح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهي جامعة استثنائية، عصرية، طموحة، أريد لها أن تكون ضمن سياقات علمية متقدمة، تضاهي كبريات جامعات العالم في مجالات البحث العلمي، وهذه الجامعة هي هدية الملك الإنسان عبد الله بن عبد العزيز للوطن وللإنسانية، فنتائج أبحاثها ستكون رافدا من روافد التقدم العالمي، وستنقل بلادنا من مرحلة التأثر إلى مرحلة التأثير في مجالات العلوم والتقنية، وبالتالي لن نكون عالة على موائد العلم، بل سنكون من المشاركين في صناعته وتقدمه.

غدا يولد هذا الإنجاز الكبير والعظيم في حضن ذكرى يومنا الوطني، ليتعانق المجدان: مجد السلف ومجد الخلف، وتزهو البلاد بقوافل العطاء، والمآثر، والمنجزات، وسيظل يذكر التاريخ أن هذا الصرح العلمي الكبير ـ جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ـ منجز ملك، هو بكل المعايير رائد من أبرز رواد التنوير والحوار والسلام في عالمنا المعاصر.

وعيدكم علم، ومنجزات، وفخر.

[email protected]