عن أية حرية إعلام نتحدث؟!

TT

ظل المجتمع الاعلامي العربي خلال الفترة القريبة الماضية يتحدث عن اجواء جديدة للعمل الاعلامي العربي تدعو للعودة والثقة. وكنت اصر على مخالفتهم لأن تفاؤلهم مفرط بما هو اكثر من واقع الوضع السياسي، ولأنهم متعجلون في وضع ثقتهم في طروحات جديدة باعتها لهم الانظمة السياسية. فهل يحتاج الامر الى شهادة اكثر صراحة من تلك التي اذاعتها السلطات في بيروت؟! خلال السنوات القليلة الماضية غررت بالبعض سعة استوديوهات التلفزيونات، وكثرة الفضائيات، وانتشار مقاهي الانترنت، فحسبوها علامة انفراج شاملة. وفي حوار مع احد كبار المستثمرين في صناعة الاعلام قال لي انه يفكر في ثلاثة مواقع لنشاطه الاعلامي كلها عربية نصحته ألا تغره المظاهر ومقالات المديح، فهذا هو الاعلام العربي منذ عصر المعلقات.

وبكل اسف صدقت ظنوني، فها هي تحدث تعسفا في بيروت وقبلها في عمان والقاهرة وصنعاء والخرطوم وفي كل مكان اعلنت الصحافة انها تعيش عهدا يلمع ذهبا. ما حدث للزملاء الصحافيين في بيروت في «الحياة» والـ«ام بي سي» صدم الوسط الاعلامي لأنه ظن أو صدق ان لبنان بات ساحة حرة.

والحرية لا تعني ان يعترض احد على ان تقبض السلطات الأمنية على مشتبه فيه، فالصحافيون مثل غيرهم قد يكون بينهم اللص والعميل، لكن الاعتراض هو على الاعتقال الاعمى الذي لا ترى من خلاله الا ما يصدر من فم السلطات. في هذا المناخ لا تستطيع ان تصدق ما يقال ضد اعلاميين حتى لو كانت الدعاوى أمينة والتحقيقات نزيهة. في غياب الثقة، وتكرار كسر القوانين، وسوء المعاملة، وتكالب اجهزة الدولة ضد الاعلامي المعتقل لم يعد سهلا على العقل ان يقبل اعترافا تقر فيه الطريدة بما اتهمت به حتى لو كان الامر صحيحا.

واللوم يقع على الاعلاميين العرب انفسهم لأنهم هم الذين روجوا لكذبة عهد جديد من الحرية والديمقراطية ثم صدقوها. فنحن كإعلاميين نعرف جيدا حجم المساحات المتاحة وواقع العمل السياسي في العالم العربي، ونرى بأم أعيننا التفاصيل التي تقول بعكس ذلك. نعرف تقسيم المناطق الانتخابية وادارة رقابة صناديق الاقتراع وتعديل النتائج، ونعرف ان المسموح بنشره لا يصلح للقراء. فالهامش الذي تحسن في معظم الدول العربية هو مكياجي بعيد عن الحقيقة المزعومة من حرية اعلامية وديمقراطية سياسية.

بل ان كثيرا من العاملين في المحيط الاعلامي يواجهون ما هو اهون ويعجزون عن تخطيه من عقبات يومية تافهة في اعتماد المحررين وارسال المصورين واستخدام اطباق الارسال. مسائل فنية صغيرة لا تمر من دون اشكالات متعمدة، فان طلب صحافي سلك كومبيوتر عطلته الجمارك من باب الاشتباه. وان وردت ارساليات بريدية من الوكالات المتخصصة حجزتها اجهزة الرقابة حتى تفوت مناسبتها او نزعتها فلا يجد فيها ما يصلح للاستخدام.

هل يعود الاعلاميون الى وعيهم فيقرون بالحقيقة بدلا من محاولة ادعاء غيرها والتبشير بعصر جديد يتلألأ بالنور؟!