مال اللاذقاني ومالي!

TT

كلما علمت ان محيي الدين اللاذقاني كتب عني تحسست مسدسي بنصيحة من جوبلز وزير اعلام هتلر، فما دام هناك لاذقاني فهناك ثقافة.. والثقافة كلمة ترعبني بقدر ما تطربني.. واقول علمت لانني استيقظ متأخرا عادة على هاتف من صديق يقول لي: هل قرأت ما كتب اللاذقاني عنك؟! وتطل من رأسي الظنون تلومني، وتشد اذني.. مالي انا ومال الثقافة ومحيي الدين اللاذقاني.. هذا المثقف الجبار الذي كلما قرأت له قررت هجر الكتابة والبحث عن مهنة اخرى.. من الذي يجري جريه، او يفري فرية، ومن الذي يوقعه سوء حظه على نار سفوده، فيشويه، ويقليه.. ويغليه، ويرميه.

يا دكتور محيي الدين، اذا كنت قد تسرعت فنشرت نعي الكتاب قبل وفاته، وقبل دفن رفاته، فقد كنت حقيقة انعي نفسي، فبيني وبين التكنولوجيا بجميع تجلياتها عداوة.. وقد سكت عنها وهي تقتحم حياتي العملية لان ما باليد حيلة، ثم فوجئت بها تقتحم حياتي الفكرية، وتخطف مني اوراقي واقلامي، فجلست وكتبت مرثية العمر الجميل.

فاذا كنت ترى.. وما احدك بصرا وبصيرة.. ان الكتاب لا يموت.. وانما يتحول.. بعيدا عن تحول المتصوفة.. فانا حقيقة معك.. من الكتاب الحجري الى الكتاب البردي الى الكتاب الجلدي ثم الورقي الذي هو رفيقنا منذ صنعت الصين الورق.. فقدمت للحضارة اعظم انجاز!! معك في ان الكتاب يغير جلده، ولا يغير طعمه، ويغير ثيابه دون ان يغير لحمه، ليست هناك مشكلة مع الكتاب، ولكن المشكلة معي انا!! من الذي سيعطيني ـ مرة اخرى ـ متعة الانزواء في ركن عربة القطار الذاهب من برايتون الى لندن.. ومعي كتاب انهمك في التهام صفحاته حتى اذا وصلنا الى محطة فكتوريا وضعت الكتاب في جيب المعطف القديم، ومعه اصابعي المرتعدة بردا، واسرعت الى مكتبي.

هل سأضع الكمبيوتر البارد في جيبي؟! وهل سأثني ورقاته كما اعتدت ان افعل عندما اتوقف عن القراءة.. هل سأتقلب عليه في فراشي عندما تسقط نظارة القراءة واستسلم للنوم مع الكتب وفوقها!! لقد تحول الورق الى اسلاك ولدائن.. كما تحول الورد من الحديقة الى مصانع البلاستيك.. صحيح ان الورد البلاستيكي اكثر احتمالا.. ولكن المشكلة انه لا يذبل ولا يموت.

ولكنني اشكر الكتاب الالكتروني لانه ذكرك بي يا صديقي، فقد استيقظت ووجدت نفسي شهيرا بقلمك الجبار، وسأبحث عن قضية او قضايا اخرى حتى لا تنساني، وحتى ازداد شهرة وغرورا.