مؤتمر حقوق الإنسان

TT

يعقد بعد أيام قليلة المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في مدينة دوربان بجنوب افريقيا، ليمارس اعماله من يوم الجمعة 31 اغسطس إلى يوم الجمعة 7 سبتمبر 2001. وجاء اختيار الموقع في ارض «الابارتايد» الطبقة العليا بالتمييز العنصري اختياراً موفقاً بدعوة العالم إلى ارض العبودية للانسان في الماضي ليبحث ويناقش سبل تحرير الانسان، في كل ركن من اركان الارض، في الحاضر والمستقبل.

هذا المؤتمر العالمي لحقوق الانسان الذي سيعقد بعد أيام قليلة في دوربان، هو في حقيقته امتداد لمؤتمرين عالميين سابقين لحقوق الانسان، عقد اولهما في طهران العاصمة الايرانية سنة 1968، وعقد ثانيهما في فيينا العاصمة النمساوية سنة 1993، وكلا المؤتمرين ينتميان إلى منظومة المنتديات العالمية الكبرى، التي تنظم انعقادها الامم المتحدة بهدف التشاور حول التحديات المفروضة على الانسان، فاستضافت مصر مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية، واستضافت كينيا مؤتمر نيروبي، ومن بعدها استضافت الصين الشعبية مؤتمر بكين وكلاهما بحث قضية المرأة، واستضافت الدنمارك قمة كوبنهاجن للتنمية الاجتماعية، واستضافت البرازيل في مدينة ريو دي جانيرو قمة الارض. وكل هذه المنتديات الدولية تهدف إلى الغاء ظلم الانسان لاخيه الانسان عن طريق محاربة استعباد القوي للضعيف، وقد صاغ هذا المعنى قبل اكثر من الف سنة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه بقوله «ان القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له»، وأكد في قول آخر رضي اللّه تعالى عنه، حقوق الانسان التي يطالب بها العالم اليوم بقوله «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً؟».

هذا السبق للفكر الاسلامي لحقوق الانسان لا يلغيه النكران بالنسيان او التناسي من الاسرة الدولية، لأنه امر واقع ثابت ويمثل مصدرا تاريخيا مهما في التراث الانساني وحركته المعاصرة الدائرة حول حقوق الانسان، التي جسدها على ارض الواقع ميثاق الامم المتحدة، الذي ينص في متنه على ضرورة المساواة بين كل الناس حفاظا على الكرامة الانسانية، ويحظر في نصوصه الاخذ بالتمييز العنصري بين بني البشر بسبب الاختلاف في الجنس او الدين او اللون او اللغة او العرق، وتبع ميثاق الامم المتحدة الموقع في مدينة سان فرانسسكو الامريكية سنة 1945، الاعلان العالمي لحقوق الانسان في سنة 1948، وسبقهما بأربعة عشر قرنا تنظيم إلهي لحياة الانسان على الارض بقول الله تعالى في الآية 13 من سورة الحجرات «يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير» صدق الله العظيم.

قامت بعد ذلك سلسلة من المواثيق الدولية تدين بشدة التمييز العنصري تحت مظلة ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وعقدت الامم المتحدة مؤتمرين دوليين اولهما في سنة 1978 وثانيهما في سنة 1983، كان هدفهما استئصال ظاهرة التمييز العنصري من الفكر والممارسة الانسانية. واصدرت المنظمة الدولية للامم المتحدة في اعقاب المؤتمرين سنة 1984 برنامج عمل يؤدي الى تنفيذ مبادئ حقوق الانسان على المستوى الدولي، وادخلت تعديلات جديدة على اعلان مبادئ حقوق الانسان الصادر في سنة 1948 حرمت بموجبها التفرقة في مجال العمل والتعليم على اساس عنصري، واعتبرت ابادة الاجناس والشعوب جريمة كبرى تعاقب عليها احكام القانون الدولي العام، التي قامت بموجبها محكمة الجزاءات الدولية تحت مظلة محكمة العدل الدولية في لاهاي التي يحاكم امامها اليوم الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش عن جرائمه في كوسوفو، وبادرت بلجيكا الى انشاء محكمة الجنايات في بروكسل المطلوب المثول امامها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون عن جرائمه في صبرا وشاتيلا.

وقد اعلن ان المؤتمر العالمي لحقوق الانسان الذي سيعقد بمدينة دوربان في جنوب افريقيا، سيناقش القضايا ذات الاولوية في حياتنا المعاصرة، وحددها بالتمييز العنصري على اساس الجنس لمعالجة اضطهاد النساء، وعلى اساس الدين لايقاف الاجحاف بالاقليات الدينية، وعلى اساس الهجرة والتهريب للاشخاص لحماية حق الانسان في داخل وطنه، وعلى اساس معالجة ظاهره الاستعباد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لايقاف حركة القمع ضد الشعوب، وعلى اساس ايجاد مجال لدور الامم المتحدة في محاربة العنصرية داخل المجتمعات التي تقوم بها تفرقة عنصرية واضحة المعالم امام الاسرة الدولية.

وحددت المفوضة السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة ماري روبنسون في كلمتها امام المجلس الاقتصادي اثناء انعقاد اجتماعه الاخير بتاريخ 24 يوليو 2001، ثلاثة محاور رئيسية للنقاش داخل مؤتمر حقوق الانسان في دوربان.

المحور الاول: مناقشة اخطاء الماضي المستندة الى تجاهل التفرقة العنصرية القائمة في داخل المجتمعات المختلفة، والعمل على فضح الممارسات العنصرية الحالية بهدف تحريك الشعوب والدول لمحاربتها والقضاء عليها.

المحور الثاني: البحث عن صياغة عملية لبرنامج طموح يتبنى مكافحة التفرقة العنصرية عن طريق تمكين الشعوب والدول من مقاومة التفكير والممارسة العنصرية تحت مظلة احكام القانون الدولي العام التي تحرم العنصرية في كل صورها.

المحور الثالث: العمل على تفعيل المجتمع المدني وايجاد قنوات لتحالفه مع الحكومات ليتعاونا معا على الغاء التمييز العنصري تنفيذا للقرارات التي يصل اليها المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في دوربان بجنوب افريقيا.

دمر هذا المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في دوربان بكل مبادئه ومحاوره من قبل انعقاده، تصريح المفوضة السامية لحقوق الانسان ماري روبنسون في يوم الجمعة 27 يوليو 2001 عدم ادراج قضية العنصرية الصهيونية على جدول اعمال «اجندة» مؤتمر الامم المتحدة لحقوق الانسان، وحذرت المنظمات الاقليمية لحقوق الانسان من محاولة ادراج الصهيونية على جدول اعمال المؤتمر او فتح النقاش حول عنصرية الصهيونية، متجاهلة بعمد ان هذا المؤتمر مختص بدراسة انتهاك حقوق الانسان ومحاولة ايجاد حلول عملية لهذه الانتهاكات، وهي تعرف يقينا عنصرية الصهيونية باعترافها في تقريرها بعد جولتها في الشرق الاوسط الذي قالت فيه ان اسرائىل تنتهك حقوق الانسان الفلسطيني استنادا الى الفكر العنصري الصهيوني، وطالبت الاسرة الدولية باتخاذ خطوات عملية ضدها، وهذا جعلها عاجزة عن تبرير موقفها او تفسير تحذيرها القاضيين بإبعاد الصهيونية عن اعمال مؤتمر حقوق الانسان الذي سيعقد في نهاية الشهر الحالي في دوربان بجنوب افريقيا.

فضح موقف ماري روبنسون تصريح صادر من وزارة الخارجية الامريكية في 28 يوليو 2001 في اليوم التالي لتصريحها القاضي بعدم مناقشة عنصرية الصهيونية في مؤتمر دوربان، جاء فيه ان واشنطن تعارض اخضاع الصهيونية لمناقشات عبثية تدعي عنصريتها لأن ذلك يتناقض مع الطرح الصهيوني الذي يمثل فكرا سياسيا حضاريا يحمل في طياته ملامح انسانية نبيلة لا علاقة له بالعنصرية ولا صلة تربطه بانتهاك حقوق الانسان.

هذا الافك الامريكي يدحضه النسق الفكري في العقيدة الصهيونية الذي قامت على دعائمه العنصرية دولة اسرائيل، فاتخذت من التمييز العنصري في العرق والدين ركيزة لبقائها واستمرارها بالعدوان على غيرها، وادينت بهذه العنصرية بالقرار الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في سنة 1975، وظلت اسرائيل موصومة بالعنصرية الى سنة 1993 حتى استطاعت امريكا الغاء قرار الجمعية العامة باستغلال هدنة مدريد في نفس السنة، غير ان الغاء هذا القرار لا يبطل اسباب اتخاذه الثابتة في الوثائق المحفوظة بالامم المتحدة.

نكران العنصرية عن الصهيونية من قبل ماري روبنسون بصفتها المفوضة السامية لحقوق الانسان، يفقد المؤتمر العالمي في دوربان مصداقيته من قبل انعقاده ويحوله الى «سيرك دولي» بالاعمال البهلوانية السياسية التي تقوم بها واشنطن وتل ابيب لتضليل الرأي العام العالمي عن حقيقة اسرائيل وعنصريتها الصهيونية التي تمارس كل الموبقات العنصرية عن طريق التمييز بين الناس بسبب الجنس والدين واللون واللغة والعرق، وتعبر عن كل ذلك حركة الابادة للشعب الفلسطيني التي يقوم بها ارييل شارون ويعاقب عليها القانون، وهي اعمال تفوق النازية في عنصريتها، وتتعدى ما يدعونه من حرق اليهود في «الهولوكوست» تحت الرايخ الثالث النازي في برلين من سنة 1933 الى سنة 1945.

تتحدث بعض الوثائق مؤكدة بأن النازية في المانيا اتخذت من الفكر العنصري الصهيوني مصدرا في تشريع مبادئها فالجنس الآري يقابله شعب الله المختار، والاجناس الأخرى المتدنية هم الاغيار، والعدوان للسيطرة على العالم مبدأ صهيوني حدثنا عنه كتاب حكماء صهيون مما يجعل من عدم مناقشة عنصرية الصهيونية في دوربان انتهاكا لحقوق الانسان في كل مكان.