الثورة الخضراء

TT

استخدم مصطلح «الثورة» و«الحرية» في بلدان كثيرة وفي أزمان كثيرة. وكان أبرز معالم الثورة الفرنسية المقصلة ومقتل قادتها بأيدي ـ رصاص ـ بعضهم البعض ومدع عام يحب طعم الجثث مع الفطور. وحققت الثورة البولشفية دولة صناعية وعلوماً شديدة التقدم وأخفقت في تحقيق مواسم زراعية كافية.

وطردت الثورة الصينية الأفيون والاستعمار وتجارة الرق وأبادت الحكمة التاريخية ورؤية المستقبل. وأبعدت الثورة الكوبية ديكتاتورية المافيا والفساد والخضوع للجار الأميركي الأكبر وأقامت ديكتاتورية الحزب والخنوع للرفيق السوفياتي الأكبر ومن أجله حولت أرضها إلى قاعدة نووية تهدد العالم بالدماء بعدما كانت قاعدة أميركية (غوانتانامو) للاعتقالات الغبية.

أطلق لقب «الثورة» حول العالم على حوادث كثيرة كما أطلق لقب الاشتراكية أو الديمقراطية على بلدان مثل رومانيا وبلغاريا ومجمعات السجون الأخرى. وبقيت الثورات الحقيقية في أماكن أخرى. ففيما اعتمدت «الثورة الثقافية» في الصين على كتاب ماو الأحمر وخطب زوجته وعصفورية (عباسية) وزير دفاعه لين بياو، الذي عاد فقتل مع الزوجة وقيل في حادث طائرة، اعتمدت الثورة الصناعية على تسخير الآلة للإنسان. زادت في سرعته وضاعفت إنتاجه وبها بدأ تقدمه وتطوره وحررت مئات الملايين من حمل الأثقال كالبغال والعيش مع الجراثيم في المستشفيات.

الحرية كانت التحرر من عبودية الفقر. والديمقراطية كانت المساواة في الغذاء والطبابة والعلاج. والثورة كانت في رفع النير عن عنق الإنسان بل وحتى عن عنق البقر وإيكال الحراثة والأحمال والأثقال والتعرف إلى تراكتور صغير يعمل بالبنزين أو المازوت أو زيوت الذرة.

كم يليق بالهند أنها سمت نهضتها الكبرى «الثورة الخضراء». لم تصبغ أرضها الشاسعة باللون الأخضر وحده، لكنها حولت لون الأرض من القفر والفقر والعوز إلى لون الكفاية. وهو أخضر جميل. وقد ملأت الدنيا قطناً أبيض لكن لونه كان أخضر عن قرب. وتحول الهندي من مستورد للسكر إلى ثاني أكبر منتج له بعد البرازيل. وصار هذا الجائع الأبدي مصدراً للحبوب والأغذية والأدوية. بلا خطاب واحد أو كتاب من أي لون. كان أمل المزارع الهندي الأكبر هو الانتحار في نهاية المواسم وأضحى لا يقبل إلا بأفضلها.

أمام الهند عقود طويلة بعد. لكن أحداً لا يعرف مسافة العقود التي قطعتها في الزراعة والصناعة واللحمة الوطنية. ومن دون قائد أوحد أو زعيم أوحد. وفي ظل نظام ديمقراطي وصحافة متطورة ولحن أصبح غنائياً بعدما كان عويلي الإيقاع.