شيء جميل في حياتي

TT

هو رجل أكرمه الله براحة البال ـ أي أنه باختصار وباللهجة الشعبية «بايع الدنيا» على الآخر ـ شاهدني وتأكد من أن وجهي ترهقه قترة وغبرة كذلك، وكنت في ذلك اليوم بالذات كارها حتى للأرض التي أمشي عليها، فأمسك يدي بيده التي يتقاطر منها العرق فنفضت يدي وسحبتها من يده لا شعوريا مبديا قرفي بطريقة واضحة، وأخرجت من جيبي منديل كلنكس لأمسح به يدي.

فضحك ضحكة ملائكية من ردة فعلي السريعة هذه، لدرجة أنني خجلت من نفسي وقلت له معتذرا: اسمح لي فأنا اليوم لست «على بعضي».

فقال لي: أبدا «خذ راحتك»، فقد لاحظت ذلك عليك من «تبويزة» وجهك، ولكن ما الذي دعاك أن تبدأ يومك الجميل بهذا «المود» العكر والتعبان؟!

قلت له: لأن دنياي كلها عكرة وتعبانة.

أجابني: لا لا «يا زلمة» ـ أي يا رجل ـ الدنيا ما تستأهل، اضحك للدنيا وتأكد أنها سوف تأخذك بالأحضان إلى مخدعها الممتلئ بالرياش والعطور.

قلت له: أي أحضان أنت تتحدث عنها، وأحدهم يتصل على تلفوني الواقع جنب رأسي في الساعة الثالثة صباحا ليقول لي: آسف هل أيقظتك من النوم؟! فقلت له: أبدا لقد كنت صاحيا الساعة 12 من الليل، هذه هي بداية يومي التي لم أنَم بعدها يا سيدي.

قال: أعلم أنك منقبض نفسيا، وقلبك محطم، ومزاجك مثقل بالتعاسة، ولكن «ما هكذا تورد الإبل يا مشعل».

سألته: إذن كيف تورد يا رعاك الله؟!

قال: إنها تورد «بملكة الاختيار» التي وهبها الله لك، انطلق أيها الرجل كأي طفل متمرد، مارس هواياتك، تناول غذاءك بشكل جيد، تعلم المصارعة اليابانية.

لا أكذب عليكم فالواقع أنه عندما وصل إلى حكاية المصارعة تبسمت رغما عن أنفي ـ فلماذا المصارعة اليابانية بالذات؟! ـ ولكنه عندما شاهدني مبتسما عاجلني قائلا: لا تضحك من كلامي، هل تعلم أن الرجل «الطبيعي» تأتيه فترة التعاسة كل «62 يوما»؟، أما من هو على شاكلتك فتأتيه مرة واحدة كل عشرة أيام. فقلت له: لا وأنت الصادق فإنها تأتيني مرة واحدة في كل 24 ساعة.

قال: معنى ذلك أنك دون أدنى أي شك قد وصلت إلى الحضيض، ولا بد أن تتدارك نفسك بالعلاج السريع يا ابن الناس.

قلت له: على إيدك.

قال: إذن افعل مثلما ذكرت لك، لا بد وأن تعالج أحزانك بعمل ما، أي عمل حتى لو عملت منظفا في إسطبل خيل.

قلت: صحيح أنني حزين، ولكن ليس إلى درجة أن أكون عامل نظافة في إسطبل خيل، ولماذا لا أكون عامل نظافة في محل «كوافير» للنساء مثلا؟!

قال: ولم لا؟! المهم أن تعمل، وتحمد ربك أنك لم تمت بعد، وأنك لا تنام على سرير في غرفة الإنعاش في مستشفى، وأن الكهرباء لم تنقطع عنك في عز الصيف، وأنك لم تتسلم أمرا بطردك من منزلك، وأن ما زال لديك أصدقاء تتسلى عليهم بين الحين والآخر، وأن ما زال في صدرك قلب يخفق بالعشق واللعانة.

عندما وصل إلى القلب وصل إلى «نقطة ضعفي»، وضرب لي على الوتر الحساس، فارتجفت «كالعصفور عندما يبلله القطر»، وانزاحت فجأة يا سبحان الله كل أحزاني، لأنني تذكرت أن هناك شيئًا جميلا في حياتي يستحق أن أعيش من أجله، وأرقص وأغني له كذلك. أحمدك يا رب، أحمدك يا رب.