إيران: اعتقال قادة «المعتدلين الجدد» يمهد لعصيان مدني

TT

في الأول من الشهر المقبل ستجري مفاوضات مبدئية بين «العالم» وإيران لثنيها عن مواصلة برنامجها النووي. في لقاء مغلق مع سياسي غربي كبير، إثر جولة له في كل دول الشرق الأوسط مفوضا من واشنطن وأوروبا، عاد بموقف واضح، بأن المفاوضات لن تجدي، لأنه لا يمكن حل مشكلة النووي الإيراني ديبلوماسيا، ذلك أن طبيعة النظام الإيراني لا تسمح له بتغيير سياسته أو استراتيجيته القائمة على زعزعة الأنظمة المعتدلة، ولاحقا غيرها، في المنطقة.

النظام الإيراني لن يغير من أهدافه ليصبح «قوة عالمية»، ولن يتخلى عن مشاريعه النووية، أو عن تصنيع الصواريخ البعيدة المدى، وعن استراتيجيته التوسعية، «يتطلع إلى السيطرة الكاملة على العراق للانتقام من حربه مع صدام حسين، وللسيطرة على حقول النفط».

يقول السياسي الغربي: «إن القوى الخارجية لن تتدخل لتغيير النظام، لكنني أعتقد آجلا أو عاجلا، بأن الشعب الإيراني سيُقدم على ذلك. إن الشعب الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي أقبل على تغيير النظام في بلاده عبر ثورات شعبية وليس عبر انقلابات عسكرية، كان الشعب الإيراني. إيران يجب إن تكون دولة علمانية ديموقراطية، لكن المشكلة أن الديموقراطية الغربية بدلا من دعم الشعب الإيراني، تغازل النظام».

نسأل السياسي الغربي عن الخيارات الثلاثة المطروحة: المقاطعة من دون قرار دولي، العمل العسكري أو احتواء إيران النووية؟ يؤكد أن إيران نووية ليست خيارا مطروحا على الإطلاق. لن يُسمح لها بأن تصبح نووية. أما الخيار العسكري، فإنه كما يقول، آخر، آخر الخيارات، إنه ليس بالخيار المرغوب، إنما يجب وضعه على الطاولة، وبرأيه أن ما يجب عمله خصوصا أن الوضع الاقتصادي الإيراني معقد وصعب جدا، هو اعتماد المقاطعة الاقتصادية فورا، بحيث تشمل الغاز والنفط، ومقاطعة النظام المصرفي الإيراني، والتوقف عن بيع إيران النفط المكرر، وإيقاف أي استثمار، أو توفير قطع غيار لصناعة الطاقة الإيرانية. يقول: «إن روسيا والصين غير ضروريتين للانضمام إلى هذه المقاطعة، إنهما لا تكرران النفط، ونظامهما المصرفي ليس متفوقا كالأميركي أو الأوروبي. هذه المقاطعة لن تطرح على مجلس الأمن، لأنه لا فرصة لأي قرار دولي بشأنها، ثم إنه كلما اتسعت دائرة الدول المشاركة في المقاطعة كانت المقاطعة غير فعالة. التفكير الحالي بأن تتفق الولايات لمتحدة وكندا والدول الأوروبية الكبرى لتطبيق ما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بـ«المقاطعة التي تشل إيران» ستنسى هذه الدول أي تعاون صيني أو روسي. وفي وقت يقبل العالم بأن تكون الهند نووية، لأن القوة النووية هناك بين يدي حكومة مسؤولة، وهو خائف بالنسبة إلى باكستان من أن يضع المتطرفون الإسلاميون أيديهم على السلاح النووي هناك، يُطرح السؤال: لماذا إذن نقبل بأن نوفر السلاح النووي، برغبتنا وفورا للأصوليين في إيران؟

ويبدو أن تكرار الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لقوله، إنه سيبيد إسرائيل، يدفع الإسرائيليين إلى التشدد في مواقفهم. يقول السياسي الغربي الذي شملت جولته إسرائيل، إن الإسرائيليين تعلموا من التاريخ، لذلك إذا جاء أحدهم وقال: سأبيد اليهود، ولديه القوة ليفعل ذلك، فإنهم يأخذون التهديد بجدية، يقولون: حصل هذا معهم مرة في التاريخ الحديث ولن يسمحوا بحدوثه مرة أخرى. ويضيف: «أبلغت إسرائيل الغرب وأميركا، بأنه ليس هناك من حكومة إسرائيلية لديها سلطة السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي الذي يهدد به أحمدي نجاد. والغرب يستوعب القلق والتوتر الإسرائيليين».

يقول: هناك أمر آخر، إذا امتلكت إيران النووي، ستمتلكه السعودية ومصر، وخلال سنوات قليلة سيكون الشرق الأوسط غارقا في سباق نووي، وهذا ما لا يحتمله العالم.

ونسأل، لكن إسرائيل لديها النووي، وهذا لم ينفعها في حربها عام 2006 مع «حزب الله». يجيب المسؤول الغربي: إن إسرائيل لا تقول شيئا عن سلاحها النووي، تترك للآخرين التخمين، وتعتقد بأن هذا التخمين يعمل بمثابة الردع، ثم إن لديها الردع التقليدي. ويضيف: «هي لا تعترف بأن الحرب ضد (حزب الله) دمرت ردعها، ثم هل من زعيم عربي يريد أن تصبح عاصمته مثل (الضاحية) في لبنان. ثم إن خطر الحرب سيظل مخيما على لبنان طالما يمتلك (حزب الله) آلاف الصواريخ».

يضيف: عاش العالم هذا الشهر الذكرى السبعين للحرب العالمية الثانية. كان جوزيف ستالين عقد عام 1939 اتفاقا مع أدولف هتلر، لكن الأخير هاجم الاتحاد السوفياتي فمات بسبب ذلك 20 مليون إنسان. بعد ذلك تحالف الاتحاد السوفياتي مع أميركا وفرنسا وبريطانيا ضد هتلر.

«لقد جرت لقاءات كثيرة بين ستالين وروزفلت وتشرشل. ومن أجل إنقاذ العالم اليوم من خطر أحمدي نجاد يجب إعادة إحياء ذلك الاتفاق».

وعن سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، يقدر السياسي الغربي قول أوباما سابقا: علي أن أجرب خيار الحوار مع إيران قبل أن أتجه إلى خيار آخر. لكنه يضيف: «إن الوقت يجري والأحداث الأخيرة في إيران جعلت الحوار مع النظام الإيراني من دون قيمة». ثم يؤكد: «إن العالم لن يصل إلى مرحلة مواجهة وضع صار قائما ولا يمكن تغييره».

أسأله: إذن، إسرائيل ستشن غارات عسكرية وليس كما قال الرئيس الروسي ميدفيديف إن ذلك لن يحصل؟ يجيب: «لا أعتقد بأن الإسرائيليين يشاركون الروس أي معلومات، وأيضا يجب عدم دفع إسرائيل إلى الزاوية بحيث لا يعود من خيار أمامها سوى الخيار العسكري. يردد الإسرائيليون في اللقاءات معهم، إن هتلر بدأ باليهود، وانتهى في محاربة بقية العالم. بدأت أوروبا تدرك أنها نفس حالة أحمدي نجاد. صواريخه ستصل إلى أوروبا، يتكلم دائما عن (الهولوكست)، وكأنه يقول لنا، لا تخافوا مني أنا أقصد فقط إبادة اليهود. لكن الحرب العالمية الثانية لا تزال حية في العقل الأوروبي».

يكشف السياسي النظرة الجديدة للغرب تجاه إيران. يرى أن إيران تبتز العالم بتخصيبها اليورانيوم قبل امتلاكها السلاح النووي. يهرع وزراء خارجية الدول الأوروبية ويطلبون من أحمدي نجاد وقف التخصيب، ولا يطلبون منه وقف التعذيب أو احترام حقوق الإنسان الإيراني، أو وقف التدخل في لبنان، أو وقف تسليح «حزب الله» و«حماس» وزعزعة سلطة محمود عباس الرئيس الفلسطيني. بدوره يستغل التهاء العالم بتخصيب إيران لليورانيوم ليستمر في سياساته الأخرى. يقول السياسي: «هذا كله يمكن وقفه وسيتوقف، إذا أدرك الغرب والعالم هذا الوضع وتبنى مقاطعة صارمة تشل النظام الإيراني. المهم أن تنتهي هذه السذاجة».

أليس من شيء مطلوب من إسرائيل في هذا الوضع؟ يقول السياسي الغربي: إن على إسرائيل أن توقف بناء المستوطنات فورا، لأنها تعيق السلام في وقت يجب التركيز على الخطر الإيراني وخطر «القاعدة». لا خيار آخر أمام إسرائيل سوى حل الدولتين. إن كل المشكلات يمكن حلها مع الفلسطينيين، بما فيها القدس. أبلغتنا إسرائيل أنها لن تفاوض «حماس»، إذ قالت: هل نتفاوض معهم حول إجراءات دفننا؟ يضيف: إن ثلثي الإسرائيليين وثلثي الفلسطينيين مع حل الدولتين، حتى بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مع هذا الحل، لكنه حاليا يهادن الأحزاب الدينية.

قد تكون الأحداث الأخيرة في إيران دفعت الغرب إلى اتخاذ موقف متشدد، خصوصا أن خطبة «يوم القدس» الجمعة الماضي، كشفت أن الجبهة الإيرانية الداخلية غير موحدة، ولم تكشف عن التضامن مع الفلسطينيين.

إن تظاهر الآلاف يوم الجمعة الماضي، احتجاجا على نتائج الانتخابات، وعلى الحكومة جاء في وقت يشعر فيه النظام الإيراني بأنه في أشد الحاجة لجبهة داخلية موحدة، وهو مقبل على مفاوضات، فشلها يعني مقاطعة تشل طاقاته.

منذ سنوات والغرب حائر كيف يربك النظام الإيراني، فجاءه الإرباك من الداخل. قادة الحرس الثوري الموالون لأحمدي نجاد يطالبون باعتقال الرئيس السابق محمد خاتمي، والمرشح الرئاسي الخاسر حسين موسوي. المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي اعترض على ذلك.

الآن، إذا قرر النظام تجاوز اعتراضات خامنئي، واعتقل من بقي من قادة «المعتدلين الجدد» في إيران، فإن الوضع الداخلي سيزداد تداعيا مع خطر العصيان المدني، والانقسام داخل القيادة السياسية الحاكمة، وإذا اختار النظام عدم التصدي، وقد تبين أنه غير قادر على امتصاص غضب الشارع بشكل نهائي، فإن مجموعات المعارضة ستستغل هذا الوقت الحساس عبر الاستمرار في انتقاد ديكتاتورية النظام، وسيبدأ تصدعه من الداخل مع مضاعفة الضغوط الخارجية عليه.