المجاعة في عهد سيدنا يوسف

TT

تحدثنا من قبل وفي أكثر من مقال عن قصة سيدنا يوسف (عليه السلام) وحياته في مصر. وتناولنا الموضوع من أكثر من زاوية، ومنها الإعجاز القرآني بدعوة حاكم مصر في زمن يوسف بلقب «الملك»، ثم يذكره القرآن بلقب «فرعون» عند الحديث عن الملك في زمن سيدنا موسي (عليه السلام).

وبيّنا أن هذا التعبير عن الحاكم يتفق تماماً مع الأدلة الأثرية التي خلفتها لنا الحضارة المصرية القديمة، حيث كان الملك وحتى عصر الدولة الحديثة حوالي (1500 ق.م) يدعى «ملك» أو «نيسو» باللغة المصرية القديمة.

وبعد ذلك العصر أصبح يطلق عليه اسم «فرعون» من الأصل الفرعوني القديم «برعا» أي (الساكن في القصر العظيم).

أشارت الكتب السماوية إلى الرؤيا التي راودت الملك في منامه وحار في تفسيرها، وفيها كان يرى نفسه بالقرب من شاطئ النهر حيث تخرج منه سبع بقرات سمان يتبعهن سبع بقرات عجاف وتلتهم البقرات الهزيلة البقرات السمان، ثم يرى سبع سنبلات خضر تنمو على شاطئ النهر ثم تغيب ويبقى مكانها سبع سنبلات جافة يابسة.

وكان يوسف في ذلك الوقت حبيس السجن بسبب كيد امرأة العزيز، وبعدما رشح ساقي الملك يوسف لتفسير الحلم وجيء به من محبسه ليصبح له بعد ذلك مكانة عظيمة في مصر.

وأصبح هو المتصرف في خزائن مصر، وربما جعله الملك نائباً له أو وزيراً وهو المنصب الثاني في الحكومة المصرية القديمة والذي يلي منصب الملك.

تشير الأدلة الأثرية إلى أن أكثر من مجاعة ضربت مصر في عصورها القديمة وكذلك بلاد الشام وفلسطين، وأحياناً كان الجفاف يعم منطقة الشرق الأوسط كله، وكان بدو هذه المناطق يأتي إلى مصر ليأخذ من الحبوب التي اختزنها يوسف لمثل هذه الأيام الصعبة.

وتقص علينا التوراة (الإصحاح 41 من سفر التكوين) أن يوسف لما فسر رؤيا الملك وأوضح له ما يجب أخذه من إجراءات تحسباً لهذه المجاعة قال الملك لـ يوسف: «انظر قد جعلتك على كل أرض مصر، وخلع الملك خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثيابا، ووضع طوق ذهب في عنقه. (وكانت هذه هي الملابس الرسمية التي يلبسها كبار رجال الدولة والأغنياء)، وأركبه في مركبته الثانية وساروا أمامه وركعوا (تحية له) وجعله على كل أرض مصر..» وأعطاه ابنة كاهن أون زوجة له وأون هي المدينة التي عرفها اليونانيون باسم «هليوبوليس» (عين شمس حالياً)، وتقع في الجزء الشمالي الشرقي من مدينة القاهرة وتبعد حوالي 20 كم من وسط القاهرة، وهي من بين المدن المصرية التي نالت شهرة واسعة على امتداد التاريخ المصري القديم على اعتبار أنها مركز عبادة الشمس ومنها خرجت نظريات خلق الكون في الفكر الديني المصري وهي نظرية التاسوع.

وتستمر التوراة قائلة: وولد يوسف ابنين قبل أن تأتي سنين الجوع ودعا يوسف اسم الابن البكر منسي قائلاً: إن الله أنساني كل تعبي وكل ما لاقيته من إخوتي، وجعل الثاني أفرايم لأن الله جعلني مثمراً في أرض مذلتي.. وكتب التفسير الإسلامية تذكر أسماءهم ميشا وأفراثيم.. وهنا بمصر أكثر من مكان ارتبط بقصة يوسف (عليه السلام) سواء في الدلتا أو مصر الوسطي أو الصعيد.. وهناك أكثر من موقع أثري يطلق عليه اسم «مخازن يوسف» ويعتقد العامة أنها بالفعل المخازن التي استخدمها يوسف عليه السلام لمواجهة المجاعة.