باب الميغاوات

TT

الجماهير ظاهرة قديمة لا تفسير لها. هناك محاولات كثيرة في ذلك، جميعها ظلت تقريبية لأن الظاهرة الجماهيرية تتخذ أشكالا كثيرة ومتعددة وليس لها نسق أو نمط واحد، مهما تشابهت في الدول والأمم. مناسبة القول ما تعرض له السيد محمد خاتمي في طهران يوم الجمعة الماضي من اعتداء وإهانة. لا شك أن بين المعتدين من كان قد اقترع له مرتين رئيسا للدولة. لكن الجماهير لا تنقلب على قادتها بل على نفسها أيضا. كذلك هاجم الرعاع فرنسوا ميتران أمام البراسيري ليب، أيار 1986، وبعدها انتخبته فرنسا رئيسا لولايتين. في عمان وفي الدار البيضاء خرجت الجماهير بمئات الآلاف تحرض صدام حسين ـ أو بتحريض منه ـ على المضي في احتلال الكويت. وإذ أصغى إلى هتافها نسي أنها سوف تتفرق بعد ساعات، وسوف تنسى ما نزلت من أجله إلى الشوارع. لم تمش الجماهير خلف رجل كما مشت خلف جمال عبد الناصر، شابا ثم كهلا ثم منتصرا ثم مهزوما ثم جنازته التي جمعت 5 ملايين شخص. وبعدها تفرقت الجماهير ونسيت وفاتها أن تقترع لمرشحي الناصرية.

ليس العرب وحدهم «ظاهرة صوتية» كما كتب عبد الله القصيمي. الصوتيون ظاهرة كونية لا علاقة لها بالعرق أو اللون أو الثقافة. إشاعة كاذبة واحدة قادرة على إشعال بركان اسمه الجماهير. تنفجر لأنها لا تفكر وتكره الذين يفكرون، لأن الفكر نقيض الغريزة والهياج.

أن تزول شعبية محمد خاتمي مع السنين، فهذا احتمال. أما أن يزول احترامه وتقديره وتقدير دوره التاريخي في حياة إيران، فهذا انفعال الدهماء. يقول محمد علي فرحات في مفكرته المبدعة كل سبت في «الحياة» إن ثمة 60 فردا موزعين على 400 فضائية عربية يعملون على إلغاء ثقافة القيم حتى في حدودها الدنيا. أصوات مرتفعة تصرخ معتقدة أن الأهمية هي للميغاوات. وخلفها جماهير تصدق أن الميغاوات هو الحق والحقيقة والخلاص. وفي الماضي كانت الدول الأجنبية تصرف الملايين من أجل وضع برامج لتخريب وإفساد وتخدير العقل العربي. والآن توفر هذه الملايين وهي تضحك. ويتوزعها خبراء التخريب مكافآت فيما بينهم، ويدرجونها تحت باب الميغاوات.