المغترب في العيد

TT

سؤال طالما نتطارحه نحن المغتربين العرب. تعود أم لا تعود؟ وكيف تعود؟ وكيف ستتأقلم وتنسجم، وتستأنف حياة نسيتها؟ جابه الكثير منا هذا السؤال بمناسبة شهر رمضان المبارك وعيد الفطر. فهما المناسبتان اللتان تحركان عواطف المغترب. كيف تحتفل برمضان بدون مدفع الإفطار تسمع دويه كل غروب شمس، وطبول المسحراتية، وأذان الجامع؟ لهذا أقدم الكثيرون على العودة لوطنهم ليستمتعوا حقا برمضان والعيد.

وكثيرة هي المطبات التي يوقع بها المغترب عند عودته، ولا تقل في شيء عن المطبات التي يقع فيها عند بداية تغربه؟ هل يصح لك أن تصافح امرأة محجبة؟ سألت ذلك من السيدة المحجبة، ممثلة وزارة الإعلام عند زيارتي للكويت؟ قالت يمكنك أن تصافحني فنحن المرشدات والمستقبلات الرسميات لدينا تصريح بمصافحة الكفار من أمثالكم. فهذا من مخاطر عملنا.

التعامل مع المرأة بصورة عامة ميدان كله مطبات ومخاطر. احذر أن تثني على جمالها. لا تقول ذلك إلا وتأتيك بوالدها ليهنئك على الخطوبة ويحدد لك يوم الفرح.

الأكل مشكلة أخرى. فالدعوات تتوالى على العائد من الأهل والصحب. شيء جميل. فالولائم ميدان آخر لا يلتقي به الشرق بالغرب. تعلمنا في الغرب أن ترك شيء من الطعام في صحنك ينطوي على قلة أدب وسوء تربية. فهو يدل إما على بطرك أو قرفك مما قدموه لك. تراهم يعلمون أطفالهم منذ الطفولة على الاقتصاد، بأن لا يترك شيئا في ماعونه. يبتلي العائد بهذه المشكلة فالعادة في الشرق هي أن يكيلوا لك الطعام كيلا وتتصور أن عليك أن تأكله كله. ينتهي بك الأمر بيومين في الفراش.

بيد أنني وجدت اللغة المشتركة غير مشتركة بتاتا. ففي بريطانيا، يتعلم الإنسان على تصديق ما يقال له والاعتماد على ما سمعه. وهذا غير وارد في الشرق. معظم ما تسمعه في الشرق لا يعني شيئا. تعرب لرجل عن إعجابك بربطته. يملي عليه الواجب أن يقول لك «بالعرضة» دون أن يعني قط ما يقوله. احذر أن تصدقه وتقول له: «هات!» واحذر أن تصدق أي شيء تسمعه في السياسة والوطنية والنزاهة. إذا قال لك رأيت ذلك فافترض انه سمع ذلك. وإذا قال سمعت ذلك فافترض انه اختلق الحكاية. ولا تأخذ أي وعد مأخذ الجد. وأضف ساعة أو ساعتين لأي موعد يحدده لك.

وتعطيك المجاملات الاجتماعية ميدانا خصبا لسوء التفاهم وانعدام الفهم. قلت لجابي الباص في بغداد عندما أعطاني التذكرة «أشكرك». نظر في وجهي في خليط من العجب والغضب. ثم قال: «ما عاجبك؟». لقد تصور أنني كنت أسخر منه. تملي تقاليدنا العربية ألا تشكر المرء عندما يقوم بواجبه. فلا شكر على الواجب. تشكره فقط إذا قام بشيء منة منه، كما لو أعطاني ذلك الجابي التذكرة مجانا. عندئذ فقط يستحق الشكر على تجاوز واجبه للدولة. استغرقت عدة سنوات في لندن قبل أن أتعلم أن أشكر الإنسان على واجبه وعدم واجبه.