البديل قرار دولي بدولة الأمر الواقع الفلسطينية

TT

الفشل الذريع الذي انتهت إليه آخر جولة وساطة، بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، لم يكن مفاجئا ولا غير متوقع إن بالنسبة للعرب والفلسطينيين وإن بالنسبة للولايات المتحدة نفسها، فهذه الحكومة الإسرائيلية برمزيها بنيامين نتنياهو وإيهودا باراك وبينهما أفيغدور ليبرمان ليست حكومة سلام وأيضاً فإنها بتركيبتها لا تستطيع أن تتخذ قراراً حتى على مستوى وقف الاستيطان ولو ليوم واحد.

إن هذا يعرفه الفلسطينيون ويعرفه العرب، الذين أيديهم في نار القضية الفلسطينية باستمرار، لكنهم جميعاً اتخذوا قرار الذهاب مع العملية السلمية حتى آخر الشوط لإدراكهم بأن كل هذا التحول العالمي يستأهل ويستحق التعاطي بإيجابية بل بمنتهى الإيجابية مع مستجدات الموقف الأميركي الذي عنوانه ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت في عام 1967، أي الضفة الغربية وغزة، قابلة للحياة والاستمرار إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

كان العرب دائماً وأبداً منذ «قرار التقسيم» الذي أصدره مجلس الأمن في عام 1947 يتخذون الموقف الرافض ويتعاطون مع أي توجه بهذا الخصوص بسلبية مفرطة وهذا كان يجنب إسرائيل، دائماً وأبداً أيضاً، أي مواجهة مع المجتمع الدولي ويريحها حتى من تماديها في إدارة الظهر لأي كلام عن السلام والعملية السلمية.

لم يراهن أيا كان لا فلسطينياً ولا عربياً على الواقع الإسرائيلي الذي استجد بعد اغتيال إسحق رابين فهذا الاغتيال بحد ذاته أظهر أن الإسرائيليين لم يستطيعوا تقبل اتفاقيات أوسلو رغم انخفاض سقفها ورغم ما تضمنته من صيغ غير قابلة للتنفيذ الفعلي ولذلك فإنهم للتخلص منها لجأوا إلى التخلص من الجنرال الذي قاد جيوشهم المنتصرة في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 ودخل كأول فاتح إسرائيلي إلى القدس وتجول في ساحة المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة. حتى شمعون بيريز بـ«زئبقيته» وبميوعته السياسية فإن الإسرائيليين بعد اغتيال إسحق رابين لم يقبلوه رئيس وزراء لهم وهم اختاروا منذ ذلك الحين وحتى الآن رموز أعتى التطرف واليمينية من إيهودا باراك إلى بنيامين نتنياهو إلى أرئيل شارون إلى أولميرت إلى نتنياهو مرة أخرى وهذا دلَّ على أن المجتمع الإسرائيلي نفسه قد انزاح بعيداً نحو اليمين وأنه بات بحاجة إلى خضة قوية كي يعود إلى رشده وهذه مهمة لا تستطيع القيام بها إلا الولايات المتحدة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم الفاعلة والمؤثرة. ولذلك فإن أقصر السياسات نظراً هي أن ينقاد عقلاء العرب إلى المزايدين أصحاب الأصوات المرتفعة والأفعال القليلة وأن يسلموا ذقونهم لإيران وتحالفها وأن يصابوا بحالة انكفاء تجعلهم ينسحبون من ساحة المواجهة السياسية ويتركون الميدان لإسرائيل لتفعل ما تريده.

سيسمع العرب الذين أيديهم في نار القضية الفلسطينية، بعد أن حصل ما حصل وبعد أن انتهت جولة جورج ميتشل الأخيرة بهذا الفشل الذريع، من سيقول لهم إن عليهم أن يعقدوا راية القيادة لإيران الغارقة في مشاكلها الداخلية حتى الذقون وحقيقة أن أي استجابة لهذه الدعوات التي بدأنا نسمعها فور اصطدام مهمة الموفد الأميركي بجدران الرفض الإسرائيلي ستحقق ما يريده الإسرائيليون الذين يتمنون أن يكون خصمهم محمود أحمدي نجاد والذين أكثر ما يخشونه هو أن يتضاعف العمل العربي الإيجابي على جبهة العالم وعلى جبهة هذه الإدارة الأميركية التي على رأسها باراك أوباما.

إن المطلوب الآن أن يتحرك العرب تحركاً منسقاً وواعياً هدفه المزيد من كسب الرأي العام العالمي والمزيد من كسب موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وهذا يقتضي الابتعاد عن المواقف الارتجالية وعدم الانقياد للمزايدين والعودة إلى شعارات تلك الفترة المريضة التي ألحقت بالفلسطينيين وبقضيتهم وبالأمة العربية تلك الخسائر الفادحة سياسياً وعسكرياً وأظهرت إسرائيل المغتصبة والمعتدية على أنها حمامة السلام وأحد ملائكة الرحمة.

لا يجوز إسقاط مبادرة السلام العربية بل يجب إبقاؤها على الطاولة ليس على أمل أن يتراجع الإسرائيليون عن مواقفهم الموغلة في اليمينية والتطرف بل لدفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول العالم الأخرى الفاعلة والمؤثرة لممارسة المزيد من الضغط على هذه الحكومة الإسرائيلية وللعمل على إسقاطها إذا اقتضى الأمر على غرار إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو هذا نفسه في عام 1999.

يجب إفهام الولايات المتحدة وإفهام العالم كله أن هذه الدولة الإسرائيلية بتصرفاتها ومواقفها وسياساتها هي دولة مارقة وأنها أخطر على السلام العالمي من كوريا الشمالية ومن إيران وأن إدارة ظهرها للسلام وعلى هذا النحو يعرض المصالح الحيوية الأميركية لأخطار حقيقية وبخاصة أن الرئيس أوباما يسعى لرسم خريطة سياسية جديدة في هذه المنطقة وفي معظم مناطق الكرة الأرضية تتلاءم مع مستقبل مصالح أميركا من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين. إنه لابد من خوض معركة سياسية واعية لإقناع حتى الأميركي العادي أن إسرائيل بتصرفاتها وسياساتها اليمينية المتطرفة الرافضة للسلام تدفع هذه المنطقة الإستراتيجية الهامة، إن بالنسبة لأميركا وإن بالنسبة للعالم بأسره، دفعاً لتكون «تورا بورا» ثانية ولتكون قاعدة متقدمة لـ«القاعدة» وأنها عندما ترفض حلَّ الدولة الإسرائيلية – الفلسطينية الواحدة من النهر إلى البحر أو «إسراطين» ووفقاً لمبادرة العقيد القذافي «النيـِّرة» جداً!! وحل الدولة المستقلة وفقاً للمبادرة الأميركية، في عهد هذه الإدارة وفي عهد الإدارة السابقة، فإنها في حقيقة الأمر تقضي على تيار الاعتدال العربي وتفسح الطريق أمام إيران بواقعها الحالي وعلى رأسها محمود أحمدي نجاد لتملأ الفراغ.

الآن وبعد أن حصل هذا الذي حصل وثبت على نحو قاطع أن إسرائيل في عهد هذه الحكومة اليمينية المتطرفة لا يمكن أن تخطو خطوة واحدة نحو السلام وأنها إن لم يتم وضعها أمام أمر واقع لا تستطيع القفز من فوقه فإنه يجب العمل ومنذ هذه اللحظة لاستصدار قرار من قبل مجلس الأمن الدولي بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 والمعروف أن إسرائيل نفسها قد قامت بقرار أصدره هذا المجلس في عام 1948 وهذا يقتضي أن يعمل العرب بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم الفاعلة والمؤثرة على إلزام إسرائيل إلزاماً بحقيقة هذه الدولة والاعتراف بها.

أمَّا أن يبقى الإسرائيليون يتلاعبون بعامل الوقت ويواصلون إدارة ظهورهم للإرادة الدولية وللعالم بأسره فإن هذا يجب أن ينتهي ويجب وضع حدٍّ له والبديل هو قرار يصدره مجلس الأمن الدولي يعترف بموجبه بدولة الأمر الواقع الفلسطينية المستقلة وهذا مرة أُخرى يقتضي أداءً عربياً غير هذا الأداء «المـُتثائب» ويقتضي المزيد من التقرب من الولايات المتحدة والمزيد من سد المنافذ والأبواب أمام المزايدين الذين يخيطون بـ«مسلَّة» محمود أحمدي نجاد ويجدون أن الفرصة غدت سانحة لسحب البساط من تحت أقدام دول الاعتدال العربية.