المشرع يفقد أنصاره

TT

يبدو أن النائب الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، جو ويلسون، أحدث سابقة عندما وصف الرئيس بالكاذب خلال جلسة مشتركة للكونغرس. ويشير فريد باتلر، نائب مؤرخ مجلس النواب، إلى أنه برغم كون الهتاف والتلاسن أمرا مألوفا بين الأحزاب فإن أحدا نادرا ما كان يقوم بعمل دون تفكير مسبق. لكن ذلك وقع بالفعل، فها هو ويلسون وقد انتفخت أوداجه من شدة الغضب يقف بمفرده يلوح بأصبعه في الهواء صائحا لباراك أوباما: «أنت كاذب».

«يا إلهي كيف حدث ذلك؟»، كما نقول في الجنوب.

لم تتناول غالبية التعليقات النقدية التي تلت مقالة ويلسون غضبه الشديد، الذي اعتذر عنه بعد ذلك، وفقط، بل امتدت إلى الاعتراضات الكثيرة التي يقوم بها الجمهوريون بوجه عام. لكن أين كان هؤلاء القوم الذين أثاروا تلك الضجة حول كلمة ويلسون خلال الخطابات الرئاسية السابقة؟ على الرغم من أن المضايقات التي تأتي من قبل الأفراد غالبا ما تصدر من المنتديات العامة فإن مجموعة من النواب المتكلفين بدأوا هذا التقليد من قبل في المسرح السياسي الأميركي.

لكن هل دأب النواب على الازدراء بقائد العالم الحر؟

لا، بل كانت الملاحظات الساخرة وحركات الأعين وتعبيرات الرفض هي السمة الغالبة المفضلة لدى قادة المعارضة، فقد رمقت ملكة اللمحات الرافضة نانسي بيلوسي ويلسون بنظرة غاضبة، تماما كما فعلت هيلاري كلينتون لدى استماعها إلى جورج بوش وهو يلقي خطاب الاتحاد بنوع من التعبير الذي يرتبط بالإبحار في ممر مظلم. وكذلك من يستطيع أن ينسى نوم جون ماكين خلال كلمة بوش حول حالة الاتحاد عام 2007. أو سخرية الديمقراطيين ومعارضتهم لبوش خلال خطابه عام 2005؟ والقائمة طويلة بأحداث مماثلة.

إن ذلك ليس بحثا عن عذر لسلوك ويلسون الذي جعله محلا للتعليقات على «تويتر» خلال الليل، وجعله يواجه محاكمة علنية جديدة، لكننا كدولة دخلنا فترة سياسية من الاعتداءات المباحة، فالكياسة التي نصر عليها لم تتواجد حتى في اجتماعات مجلس المدينة والتي شارك ويلسون في العديد منها. وتكشف مراجعة ما كتب على تويتر خلال راحة مجلس النواب في شهر أغسطس (آب) كم الاجتماعات التي شهدت حضورا جماهيريا غاضبا ـ 1500 شخص في بيوفورت و1000 في هيلتون هيد. وكتب على ويلسون تويتر: «الناس ترغب في إصلاح التأمين وليس في السيطرة الحكومية».

لكن التساؤل الذي يطرح نفسه: هل كان ويلسون يستقي كلماته من تلك الأقاويل المبالغة التي لا تزال تدور على الألسنة في أميركا التي وصفتها من قبل بأنها أصغر من أن تكون دولة وأكبر من ألا تكون مستشفى للمجانين.

إنها الهستيريا المعدية قبل كل شيء.

وقد ذكرتني زلة ويلسون الواضحة بقصة في أسرتي حول زوجي النقي الدمث كطالب جامعي، فقد كان ينصت إلى مدرس الرياضيات وهو يتحدث بصورة مملة حول التوقعات بشأن الامتحان القادم قائلا لنفسه: «هل يجب علينا أن نثبت صحة هذا اللغو؟». وبعد أن قرع جرس الحصة اقترب منه زملاؤه بمرح قائلين له: «لا يمكننا أن نصدق أنك قلت ذلك». فرد عليهم قلت ماذا؟ لسوء حظ زوجي المذهول فقد عبر بصوت عال عن أفكاره الخاصة على الرغم من أنها لحسن حظه لم تصل إلى مسامع الأستاذ. نتيجة لذلك بات من الواضح أن لدينا إضافة جديدة إلى قائمة الأسماء الأعلام التي تحولت إلى أفعال مثل «بوركيغ» نسبة إلى القاضي الشهير بورك الذي رشح للمحكمة العليا و«نيفونغينغ» نسبة إلى المحامي الذي أدين أخيرا بقضية فساد، وربما يجوز لنا أن نضيف الآن «ويلسوننغ» نسبة إلى ويلسون الذي تطاول على الرئيس متهما إياه بالكذب. كقولنا لقد أثار صخبا في منتصف المراسم. ومن الواضح أن المقارنة بين طالب الجامعة وعضو مجلس النواب، اللذين قالا كلاما يؤسف له، غير عادلة، فعضو مجلس النواب يقف في مرتبة أعلى، لكن من الصعب تخيل أن يعني ويلسون ما قاله فعلا، فقد كان غضب ويلسون عفويا وبحسب شهود فقد بدا ويلسون مهزوزا وغادر الغرفة مسرعا بعد أن انتهت الجلسة.

ليس هناك من عذر لويلسون، لكن الضربات المتتالية التي يتلقاها عضو مجلس النواب مبالغ فيها. فاللوم لا يتوقف على شاشات التلفزيون ومن ثم يجب أن تكف تلك الأفواه عن ذلك.

وما من أحد أكثر دهشة من هياج ويلسون العارم أكثر من أولئك الذين يعلمون أنه شخصية مؤدبة ومتواضعة ومراعية لحقوق الآخرين. ونظرا لعمله مساعدا سابقا لستروم ثيرموند يبدو من الواضح أن ويلسون اكتسب مهارة السيناتور الراحل في خدمة الناخبين، والذي كان من أولئك الذين تلهب مشاعره خطاب شكر أو برقية تعزية. لقد كان تصرف ويلسون على ما يبدو أشبه بما تسميه النساء «مسألة خاصة بالأعصاب». إن التحليل النفسي لويلسون يجب أن يشمل آخرين لكن استمرار المحاكمة العامة له أمر غير ضروري. ووردت تقارير تفيد بأن روب ميلر الكابتن البحري والضابط السابق الذي خدم في العراق والذي كان خصم ويلسون لدى إعادة انتخابه وزادت حصيلة ما جمعه استعدادا للانتخابات السابقة إلى 500000 دولار منذ أن بدأ الحصار على الرجل. وقد نجا أوباما من الانتقادات هادئا ومعافى. ربما يكون ويلسون قد تمكن من خطف الأضواء، لكنه خسر جمهوره.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»