منطق تعطيل الحكم في لبنان

TT

تعود المسألة اللبنانية لتشغل مساحة مهمة في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية على خلفية الأزمة الحالية التي منعت تأليف حكومة في التكليف الأول لزعيم الأكثرية سعد الحريري الذي استمر أكثر من سبعين يوما قبل اعتذاره وإعادة تكليفه. وهذه الأزمة وإن بدت للمراقب البعيد مستجدة، فإنها ليست سوى استمرار لأزمة الحكم التي تحكمت في الواقع السياسي في هذا البلد على خلفية ازدواجية السلطة على الأرض. وهذه الازدواجية مصدرها وجود «حزب الله» كمنظمة مسلحة لها عقائدها ونظمها وعلاقاتها وتحالفاتها الخارجية غير المرتبطة بسياسة الدولة العامة. لقد أدى هذا الواقع إلى تعطيل المسار الديمقراطي، بحيث وضع الحكم تحت تهديد التعطيل المتعدد الأوجه على خلفية فرض منطق حكومات تآلفية بشكل قسري تحت شعار الوحدة الوطنية، وهذا ما أنتج حكومات تمارس فيها المعارضة معارضتها وتعطيلها لمسار الحكم رغم أنها مشاركة في السلطة. وهذا الواقع لم يكن ليستمر لولا إثبات المعارضة التي يقودها حزب الله القدرة على استعمال مختلف وسائل التعطيل من اعتصامات وشغب واحتلال للوسط التجاري وتعطيل الحكم من خلال استقالة الوزراء، إلى تعطيل المؤسسة التشريعية من خلال إقفال مجلس النواب، وصولا إلى مرحلة الاعتداء المسلح الذي تجلى في السابع من مايو (أيار) 2008، حين تمكن حزب الله من تعطيل القرارات الحكومية مستخدما الوسائل العسكرية.

هذا يعني أن الأمر الواقع في لبنان فرض تجاوز نتائج الانتخابات النيابية وفرض على الأكثرية القبول بحكومة تتشارك فيها مع الأقلية التي يقودها حزب الله. ورغم التوصل إلى صيغة عامة للحصص في الحكومة، لم يتمكن الرئيس المكلف من تأليف الحكومة حتى الآن بعدما وضع العماد ميشال عون شروطا شبه مستحيلة لمشاركته. وهذه الشروط ليست محصورة بتوزير صهره الذي فشل في الوصول إلى الندوة البرلمانية، ولا حتى في الإصرار على وزارة الاتصالات، بل تتمادى هذه الشروط بالمطالبة بوزارة الداخلية مما يعني خرق التوازن في الوزارات السيادية وأخذ حصة رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى المطالبة بأربعة وزراء موارنة من ستة مما يجعل توزيع الحقائب على مسيحيي الأكثرية ضربا من المستحيل. عمليا فإن الإصرار على هذه المطالب رغم جولات متعددة من المفاوضات أثبت أنه رغبة في تعطيل إمكانية تأليف حكومة. إدراك الرئيس المكلف لهذا الواقع دفعه إلى عرض تشكيلة حكومية على رئيس الجمهورية حتى يضع الجميع أمام مسؤولياتهم وتجاوز منطق الابتزاز السياسي والإعلامي الذي مارسته المعارضة على مدى أسابيع عدة.

وقد نجحت هذه الخطوة في خرق الجمود وأدت إلى إعادة تكليف الحريري، لعل المعارضة تكون أكثر واقعية ومرونة، لكي تولد الحكومة الموعودة وتتمكن من مواجهة جملة من الاستحقاقات الإقليمية والدولية التي تبدأ بقضية المحكمة الدولية، مرورا بعملية السلام، والوضع العراقي، ولا تنتهي بالملف النووي الإيراني. والمهم ألا يستمر الفراغ الحكومي في لبنان بانتظار الانفراجات المستبعدة من خلال العمل الديبلوماسي، أو التغيير في موازين القوى الإقليمية الذي قد يستدعي عملا عسكريا ما. بالمحصلة، فإن لبنان لا يزال تحت خطر أن يدفع ثمن ازدواجية السلطة فيه من خلال رهن استقراره ومصير مواطنيه للصراعات الإقليمية.

* نائب لبناني سابق