مجموعة الـ20: موقف حاسم ضد العودة للسبل القديمة الضارة للأسواق المالية

TT

لا تقتصر الأزمة التي نجابهها على الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتمثل أزمة في قيم مجتمعاتنا.

أثناء قمة مجموعة العشرين المقرر انعقادها في بيتسبيرغ اليوم (الخميس)، يجب أن يستجيب قادة العالم للأزمة الراهنة بإظهار التزامهم باقتصاد عالمي أكثر محافظة على البيئة وأكثر أخلاقا وإنصافا وأفضل توازنا.

وتتطلب هذه «العولمة الجديدة» حكما عالميا يقوم على قيم إنسانية عالمية تعكس واقع الاعتماد الاقتصادي المتبادل. المؤكد أن مجموعة العشرين تمنحنا الفرصة لصياغة العولمة، وتطوير نموذج مستديم ليحل محل الآخر الذي تداعى جراء انهيار الأسواق المالية.

من جانبي، أعتقد أن أوروبا لديها الكثير كي تقدمه على هذا الصعيد في إطار مساعينا لتنمية هذا الهيكل العالمي الجديد. لقد عملنا طيلة 60 عاما بمثابة مختبر للتعاون فوق الوطني عبر الحدود. ويسعى النموذج الأوروبي للمجتمع للتفوق على التفرع المدمر للأسواق غير المنظمة أو الدول بالغة القوة.

في أوروبا، وقبل أي اجتماع لمجموعة العشرين، حرص قادة الاتحاد الأوروبي على إقرار علانية موقف واضح وموحد. وسعينا لبناء شراكة وتعزيز بدرجة أكبر العلاقات عبر الأطلسي، الوثيقة بالفعل، وصلاتنا المتطورة بسرعة مع الدول الناشئة.

الواضح أنه ليس باستطاعتنا ولا ينبغي أن نسعى لوقف العولمة، خاصة أنها خلقت ثروات هائلة وأنقذت الكثير من مناطق العالم من براثن الفقر، وبفضلها حلت التعاملات التجارية والتبادل الثقافي محل العزلة وانعدام الثقة.

الملاحظ أن الأزمات الاقتصادية السابقة أسفرت عن تفشي السياسات الحمائية ـ وفي أسوأ الظروف، تمخضت عنها صراعات راح ضحيتها عشرات الملايين. أما هذه المرة، في إطار عالمنا المتعولم، نعمل معا حول الطاولة، بدلا من الوقوف في مواجهة بعضنا البعض داخل ميدان القتال. وهناك مؤشرات توحي بأنه، مع اتخاذ القرارات السياسية الصائبة، بمقدورنا استعادة عافية الاقتصاد تدريجيا في عام 2010. لكن الخطابات النبيلة حول التغيير يجب ألا تنزلق إلى السياسات المعتادة فيما مضى بمجرد تراجع حدة الضغوط الاقتصادية الفورية.

وإذا ما كانت هناك رغبة حقيقية في استمرار استعادة الاقتصاد لعافيته، فيجب أن تصعد مجموعة العشرين جهودها الرامية لإصلاح الأسواق المالية، مع إبداء حزم تام ضد أي عودة إلى «السبل القديمة الضارة».

من ناحيتهم، يساور الأوروبيين الفزع إزاء معاودة المصارف ـ التي يعتمد بعضها على أموال دافعي الضرائب ـ دفع علاوات مالية باهظة لمسؤوليها. في بيتسبيرغ، من المتوقع أن يدعو الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات منسقة ومتناغمة لوضع حد لهذا الأمر، والبناء على إجراءات جرى تنفيذها بالفعل على هذا الصعيد داخل أوروبا ومناطق أخرى.

ولا يمثل ذلك مطلقا حملة عشواء ضد المصرفيين، ذلك أن إقرار تنظيمات أكثر فعالية يصب في مصلحة أي مسؤول بالقطاع المالي، ويجب ألا تترك المؤسسات المالية الحكيمة نفسها تحت رحمة تهور منافسيها.

عشية قمة مجموعة العشرين، تضغط المفوضية الأوروبية لإقرار خطة لبناء نظام أوروبي للرقابة المالية عبر الحدود. ونؤمن بأن هذا الأمر يمكن أن يعمل كمصدر إلهام لإقرار نظام عالمي يقوم على مبادئ مشابهة.

في تلك الأثناء، يجب أن نبقي على عزمنا. ويتعين علينا المضي قدما عبر خطة التحفيز الاقتصادي التي ضمنت عدم تحول الركود إلى كساد. ومن الضروري أن تتمثل أولويتنا الأولى في إنقاذ وخلق الوظائف.

إلا أن مجموعة العشرين يجب أيضا أن تلتزم باستراتيجيات خروج منسقة عندما يحين الوقت المناسب، من أجل استعادة نشاط الموارد المالية الحكومية.

إلى جانب ذلك، يتحتم على أعضاء مجموعة العشرين تحمل مسؤولية إعادة تحقيق التوازن بالنمو العالمي وجانب الطلب سعيا للحيلولة دون وقوع أزمات مستقبلية.

إضافة إلى ذلك، يتعين اضطلاع صندوق النقد الدولي بدور مهم على هذا الصعيد. الآن، وفينا بالوعد الذي قطعناه أثناء قمة لندن بتوفير موارد جديدة بقيمة 500 مليار دولار تحت تصرف الصندوق. ومن المقرر أن يوفر الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلث هذا المبلغ. ويجب أن يبث اجتماع بيتسبيرغ مزيدا من القوة في الدور الإشرافي للصندوق.

أيضا، من الضروري أن تحرز مجموعة العشرين تقدما فيما يتعلق بإصلاح نظام الحصص والتمثيل داخل صندوق النقد الدولي، ذلك أن جميع الاقتصاديات الكبرى على مستوى العالم ينبغي أن تحظى بصوت يتناسب مع حجمها. كما يتحتم عليها تحمل المسؤوليات المترتبة على ذلك.

من ناحيتها، ستضغط أوروبا بجدية سعيا لإحراز تقدم فيما يخص التصدي للتغييرات المناخية. وإذا لم ننتصر في هذه الحرب، فإن تقدمنا الاقتصادي في نهاية الأمر لن تكون له أدنى قيمة. الآن، أمامنا أقل من 80 يوما تفصلنا عن مؤتمر كوبنهاغن للتغييرات المناخية المقرر انعقاده في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقد حان الوقت كي نتحلى بالجدية إزاء هذه القضية. لكن يساورني القلق حيال انعدام الطموح في المفاوضات بهذا الشأن.

لإحراز تقدم علينا الحديث بلغة الأرقام. وقد طرحنا بالفعل أفكارنا حول الجوانب المالية المرتبطة بالقضية. وعلى الآخرين الإسهام على نحو متناسب. بوجه عام، لم يعد الوقت الآن مناسبا لتوخي حذر بالغ في تناول هذه القضية.

الملاحظ أن رسالة أوروبا للعالم النامي مفادها أنه إذا كنتم جادين إزاء مواجهة تحدي تقليص الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، فإننا سنعاونكم، لكن ليس بميزانية مفتوحة، وإنما بنصيب عادل.

أما رسالتنا إلى العالم المتقدم فهي أننا بحاجة لإقرار التزامات مالية يمكن الاعتماد عليها أمام العالم النامي وأيضا من أجل التزاماتنا بمجال الحد من الانبعاثات. تتسم المعادلة بطابع مباشر: بدون مال لن يكون هناك اتفاق. لكن بدون إجراءات لن يكون هناك مال!

إننا بحاجة لإقرار سوق عالمية مناسبة للانبعاثات الكربونية، ليس كخيار إضافي، وإنما كشرط مسبق أساسي لتحويل الالتزامات إلى خفض حقيقي في الانبعاثات.

يحوي النص المطروح حاليا على مائدة التفاوض 200 صفحة تضم العديد من البدائل. دعونا نتحدث بوضوح: إذا لم نجد حلا لهذه القضية، فإننا نواجه تحول هذه الوثيقة إلى أطول رسالة انتحار عرفها التاريخ.

أما الرسالة التي سأنقلها إلى زملائي الأعضاء خلال اجتماع مجموعة العشرين في بيتسبيرغ فواضحة، وهي أنه يتحتم علينا العمل كمصدر إلهام لهذا العالم برؤيتنا لمستقبل تعمل فيه الأسواق المفتوحة والحرية في خلق الثروة في إطار يقوم على مبادئ أخلاقية وبيئية واضحة، وتدعمه قواعد عالمية مفروضة بقوة.

*رئيس المفوضية الأوروبية

*خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»