العيد الأكبر

TT

جاء العيد هذه السنة للسعوديين وهو يحمل ثلاث مناسبات تستحق الاحتفال؛ الأولى عيد الفطر المبارك والثانية الاحتفال باليوم الوطني، الذي أصبح تقليدا يعتز السعوديون أن يظهروا فرحتهم فيه. إنه يوم لتأصيل فكرة الوطن والانتماء والمواطنة والولاء. أما المناسبة الثالثة فهي الاحتفال بإطلاق أهم مشروع حضاري عرفه السعوديون في تاريخهم.. والمشروع المقصود تحديدا هو افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. الموضوع في الواقع يتخطى أن المشروع هو مجرد «جامعة» فقط، ولكن في حقيقة الأمر المشروع هو «ثقافة» بأكملها وتجسيد عملي وحقيقي لفكرة وحلم كان يراود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإيجاد صرح تعليمي عالمي يصور مجموعة الشعارات الإصلاحية المهمة التي تحولت إلى بصمة عهده.. شعارات مثل الحوار الوطني والإصلاح التعليمي وحوار الحضارات والابتعاث الخارجي وغيرها، كلها اليوم أصبحت واقعيا جزء من «فكرة» جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

«رؤية» الجامعة جاءت مختلفة وجديدة في كل تفاصيلها، فهي لها مجلس أمناء استثنائي يمثل الشراكة الفاعلة ما بين القطاع الخاص والعام والمحلي والدولي بشكل متوازن. أسلوب التمويل هو الآخر كان نتاج فكرة عبقرية وذكية أخرجت من سياق التمويل التقليدي إلى حيز الوقف الخيري الكبير والمدار بحرفية واستقلال. التصميم والتنفيذ للمشروع كانا هما الآخران بعيدَين عن التقليدية، وكان الابتكار والفعالية سيد الموقف بامتياز، فقامت الشركة السعودية الأبرز «أرامكو» التي عرف عنها الجدية والإنجاز والمسؤولية، بتحويل هذه الرؤية إلى واقع باهر في زمن قياسي (وهي مسألة فيها ضرب أكثر من عصفور بنفس الحجر)، فـ«أرامكو» تحرج العديد من القطاعات الأخرى بهذا الإنجاز، وهو إنجاز يُحسب وبامتياز للمهندس خالد الفالح رئيس «أرامكو» المتألق وفريقه الذي معه. التصميم روعي فيه العديد من العناصر المهمة: عناصر جمالية لاستغلال طبيعة المكان المطل على البحر الأحمر وعناصر بيئية ليكون المبنى «متناغما» مع البيئة التي حوله وتراعي أفضل وسائل تقنية للاستغلال الأمثل للطاقة. طبعا كل هذه النقاط تراعي البنية التحتية الصلبة HARDWARE، ولكن هناك الجانب النوعي أيضا الـSOFTWARE وتحديدا المقصود هنا هو «نوعية» المنهج والفريق الأكاديمي والتعليمي الذي تم اختياره على أعلى المعايير ودون أي تضحية لأي أسباب كانت اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك تم وضع معايير تقييم واختيار شديد الصعوبة لقبول الطلبة والطالبات في الجامعة، بحيث تكون الجامعة بيئة تنافسية عالمية تفيد وتستفيد منها البلاد بصورة عامة. مثلما كانت «أرامكو» ثقافة وتطويرا وتنمية في المنطقة الشرقية من السعودية ساهمت بإحداث نقلة نوعية في قطاعات مختلفة مثل البيئة والصحة والتعليم، وكذلك كان المستشفى التخصصي بالرياض وإن كان بدرجة أقل، وحاولت الخطوط السعودية أن تكون ذات الشيء في جدة، تطل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتكون منارة إصلاح وعلم وتنمية للسعودية ككل بغض النظر عن المنطقة والقطاع المحدد. ثول، تلك المدينة الصغيرة جدا التي عرفها الناس كنقطة استراحة في الغربية بين جدة والمدينة، والتي كانت تقليديا مركزا للصيادين ومطاعم السمك، تحولت إلى نقطة كبيرة جدا على خارطة العالم والتعليم، وسيراقب العالم بشغف واهتمام كيف سينمو حلم الملك بالنيابة عن شعبه لينقل البلاد من حال إلى حال. نجاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ليس رغبة أو أمنية، ولكن واجب، على الجميع أن يحققوا ذلك. إنه عيد في أعياد يستحق الاحتفال. مبروك.

[email protected]