صورة الملك أباً

TT

كورنيل، أوكسفورد، كامبريدج، ستانفورد، أوتريخت، بيركلي، أم.اي.تي. هذه أسماء بعض «الشركاء الأكاديميين». وفي مجلس الأمناء رئيس جامعة برنستون. وأما رئيس الجامعة نفسها، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، فهو عالم من سنغافورة. والجامعة، هذه المدينة الواسعة الأرجاء، العاملة بآخر وسائل التكنولوجيا، تقوم في قلب الصحراء، حيث لم يكن ينبت في الأمس سوى شجر السدر الذي يرسل جذوره عميقاً في الرمل تطلب شيئاً من الري، يواجه به لفح الحر والقيظ.

الجامعة الأكثر «عالمية» أو تعددية، طلاباً وأساتذة ومختبرات وبرامج، ليست في القاهرة ولا في بيروت. بل هنا، في ثول، على بعد 80 كيلومتراً من عمران جدة، ما بين البحر الأحمر والبحر الأغبر. وهنا، في ما كان بالأمس متاهة صحراوية، يقوم الآن أهم مجمع علمي في الشرق، ويفتح بابه للطلاب من أنحاء العالم. ويحلم القائمون على الجامعة، والرجل الذي أشرف على إنشائها، علي النعيمي، بأن تكون هذه المدينة المزينة بالنخيل، شيئاً من وادي السيليكون وعالم الرقائق والاختراعات، تحتضن، حتى الآن، طلاباً من 50 جنسية، 7% منهم فقط سعوديون، حتى الآن. الشرط الأول هنا: يدخلها فقط المتفوقون.

«جامعة التسامح» والتلاقي الإنساني، قال الملك عبد الله وهو يقدم حلمه إلى العالم. حلم رافقه منذ ربع قرن، تحوَّل أخيرا إلى صرح مترام، يأتيه حملة نوبل في العلوم، خبراء وشهوداً وأساتذة.

وفي السعودية عصاميون كثيرون يحملون هذا الشرف، لكن الملك أوكل المهمة إلى واحد من أكثرهم تجلياً وكفاءة، المهندس الذي بدأ حياته عاملا بسيطاًَ في ارامكو، وارتقى حتى منحه عبد الله بن عبد العزيز وشاح الاستحقاق ووسام الإنجاز والجد والكفاءة العليا.

مثل كل شيء أطلقه عبد الله بن عبد العزيز حملت الجامعة الجديدة شعار الإنسان والحوار ونقض الكراهية والبغضاء. وقد رفعت يافطات كثيرة تحيي «القائد»، لكنني وجدت أحب وأقرب الصفات إليه، عندما وقف طفلان على المسرح يشكران «بابا عبد الله»، بعد صفة خادم الحرمين الشريفين. ثمة قادة كثيرون في العالم العربي، ولكن هناك أباً واحداً في مثل هذا العمر من المشاعر والعطف والمحبة.

تفوق رعاية عبد الله لشعبه رعاية الآباء. ويفوق تعلقهم به تعلق الأبناء بالآباء. فليس بين الفريقين جدل ولا نقاش ولا أمر، وإنما علاقة عامرة صافية قائمة على ثقة مطلقة بأن لا هم لهذا الأب الكبير سوى الرعاية التامة.

لقد اختصر طفلان، بفرح غامر، روح هذه المناسبة. لقد جاء يزرع للأجيال، في قلب الصحراء، نخلة تساقط علماً، وتزود الطالعين سلاح الصراع الحضاري، لا صراع الحضارات.