هل انقلب السحر على الساحر؟!

TT

لست من المؤمنين (بالخزعبلات)، فتفكيري يكاد يكون علميا وعمليا صرفا ـ إلا فيما يخص مجال (العواطف) ـ فساعتها أنقلب بقدرة قادر إلى ساحر أو درويش أو مجنون بربع عقل، أرقص في الليالي المظلمة على قدم واحدة.

غير أن ذلك لا يعفيني من التساؤل أو الاندهاش أحيانا، مثل ما حصل يوم الأربعاء تحديدا في 9/9/2009 على القناة الرابعة في BBC التلفزيونية، حينما بثت على الهواء مباشرة لقاء جامعا أمام جمهور ليحدد فيه أحد السحرة الأرقام الفائزة في مسابقة اليانصيب، وقد تمكن الساحر (دريك براون) من تحديد الأرقام وهي: (12، 11، 23، 28، 35، 39)، قبل أن تدور العجلة المستخدمة في السحب، وعندما توقفت العجلة عن الدوران، إذا بالأرقام صحيحة (100%) أمام ذهول وصياح الحضور في الاستديو وخارج الاستديو.

وكان ممنوعا عليه المشاركة في المسابقة التي تصل جائزتها إلى (2.4) مليون جنيه، وقد يقول قائل: إن هناك خدعة في الموضوع ـ وقطعا هناك خدعة ـ وقد اعترف براون بذلك، لكنه لم يفصح عن ماهية تلك الخدعة، والغريب أنه في ذلك البرنامج أتى بدليل شوارع لندن الضخم من (A إلى Z)، وطلب من أي أحد من الحاضرين أن يفتح أي صفحة كانت ليحدد له أسماء الشوارع في تلك الصفحة التي فتحها، وكان يسرد له أسماء الشوارع وأرقامها وهو مغمض العينين.

وهو ذكرني بساحر سوري، عندما دعاني أحد الوجهاء للحضور في مجلسه، وقد وزع ذلك الساحر أوراقا على أكثر من ثلاثين شخصا من الحضور، وطلب من كل واحد منهم أن يكتب سؤالا مهما كان السؤال، وخرج هو من المجلس، ووضعت جميع الأسئلة في وعاء، وعندما عاد أخذ يمسك بكل ورقة مطبقة ثم يقول: إن السائل هو فلان الفلاني، ويسأل السائل: هل تريد أن يكون جوابي عليك علنيا أم بيني وبينك؟! المهم أنه قرأ غيبا كل سؤال بدقة عجيبة وأجاب عنه، وعندما أخذ ورقة مطبقة قال أمام الجميع: هذه ورقة مشعل السديري التي هي بيضاء ليس فيها أي سؤال، فلماذا يا مشعل لم تسأل، أإلى هذه الدرجة أنت جبان؟! فهززت له رأسي علامة الموافقة من شدة رعبي.

وأتذكر أن أحد الحضور ولا أريد أن أذكر اسمه الآن، عندما وقف محتجاً على شعوذات ذلك الساحر الذي غضب منه ونهره قائلا: اجلس، وإنني الآن سوف اجعل النار تشتعل في ملابسك، فهل تريدها أن تشتعل في (شماغك) أم في سراويلك؟!، فصاح به الجميع قائلين: في شماغه في شماغه، وكنت أنا الوحيد الذي صحت به قائلا: أرجوك أشعلها في سراويله، ولكنه مع الأسف أخذ برأي الأغلبية، وما هي إلا أقل من دقيقة واحدة، وإذا بالدخان يخرج من الشماغ، وإذا بالنار تشتعل في أطرافه، وإذا بالمسكين يرمي به ثم يهرول خارجا دون أي كلام أو سلام.

وسؤالي هو: إذا كان هؤلاء الذين يدعون السحر بهذه الإمكانيات الهائلة، فلماذا لا يوظفونها لمصالحهم المادية؟! لأنني علمت مؤخرا أن ذلك الساحر السوري كان لديه مصانع للرخام والجرانيت في بلاده، وكسب منها الكثير، غير أنها في المدة الأخيرة تدهورت، ثم مات في آخر حياته مفلسا على الحديدة.

فلماذا إذن لم يفلح معه سحره؟! هل انقلب السحر على الساحر؟!

إنني والله لفي حيرة، وما زلت في هذه الناحية بالذات (علمانيا) إلى درجة العظم.